سيّدنا صالح
إنّ صالح هو أحد أنبياء الله تعالى المرسلين لقبيلة ثمود التي اتّخذت منطقة الحجر الواقعة بين الحجاز وتبوك مسكناً لها، وهذه القبيلة أتت بعد قوم عادٍ، وكان صالح أحد أبناء قبيلة ثمود، ويعود نسب صالح إلى سيّدنا نوح عليه السلام من ابنه إرم، واسمه: صالح بن العبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوحٍ -عليه السلام-، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: "كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ*إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ". (الشعراء: 141-142).
رسالة سيّدنا صالح لقومه ثمود
كانت رسالة صالح إلى قومه كرسالة الأنبياء السابقين لأقوامهم الضالة، وهي رسالة دين التوحيد وعبادة الله الواحد، فبدأ يدعو قومه بذلك وأخذوا بالاستهزاء به وبرسالته، فصبر على ذلك وبقي يدعوهم لعبادة الله وتذكيرهم بالأمم السابقة التي أُهلكت على يد الله تعالى كعادٍ، ولكنهم أبوا واستكبروا، ولم يؤمن منهم إلّا القليل الذين رأوا الحقّ في دعوة صالح لهم، وما زال يذكرهم بنعم الله التي أنعم بها عليهم ولكنهم لم يأبهوا له البتة إلى أن أيّده الله تعالى بمعجزة فاقت قدراتهم، وقد كانت قدراتهم جبارة إذ كانوا ينحتون في الصخر مساكن لهم لِما كان عندهم من قوةٍ جسدية هائلة.
معجزة سيّدنا صالح
لم ييأس النبيّ صالح من دعوة قومه لعبادة الله القهار، ولذلك فقد طلب قومه منه الإتيان بمعجزة تدل على صدق نبوته وعلى عظمة الله تعالى، وكانت هذه المعجزة هي أنّهم طلبوا منه إخراج ناقة من الصخر، وكان مطلبهم غريباً إذ كانت لهم أوصاف لهذه الناقة تعجز عن تحقيقها البشر، وكان صالح على يقين تام بأن الله قادرٌ على كل شيء، وأوصافها كانت ناقعة حمراء اللون، ضخمة جداً، سوداء العينان، وأن تكون حاملاً بشهرها العاشر وفي جوفها جنين لذَكر، وبإذن الله تعالى تحقق ذلك وأخرج لهم صالحاً هذه الناقة من قلب الصخر، وجراء هذه المعجزة آمن الكثير منهم، ولكن ذلك لم يعجب أسياد القوم، لذلك تآمروا على قتل هذه الناقة مع أن صالحاً أوصاهم بأن أمر الله هو ألّا يقربوا تلك الناقة بأيّ سوء أو ضرر وتركها طليقة مع تقديم الغذاء والشراب لها، كما قال الله: "وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ "، (هود: 64)، ومع ذلك فإنهم في يومٍ من الأيام اجتمعوا عِدّة من رجال القوم وعقروها، ولعصيانهم لأمر الله تعالى فإنّه أنزل بهم الهلاك.
هلاك قوم ثمود
كان هلاك ثمود محتم، فالله تعالى أنزل بهم العذاب ليهلكهم وذلك لعصيانهم أوامره وكفرهم به، ولم يكتفوا بقتل الناقة إنّما ذهبوا لصالح ليطلبوا منه العذاب الذي أعده الله تعالى لهم، فهم غير مؤمنين بوجود الله تعالى، ومع ذلك فإن الله تعالى أمهلهم مدّة ثلاثة أيام ليهتدوا بها ويبتعدوا عن الباطل لكنّهم استكبروا وبقوا على كفرهم، وبعد مرور هذه المدّة أرسل الله تعالى عليهم صيحةً من السماء أهلكتهم في ديارهم جاثمين، كما قال تعالى: "وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ*وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ*وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ* فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ*فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ". (الحجر: 80-84)، وبعد هلاك قوم ثمود نجى صالحاً ونجى معه من آمن من قومه وبقي في دعوة الله إلى أن أتته المنية بإذن الله تعالى.