سنة الرسول صلى الله عليه وسلّم
اتّباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم من احسن وأفضل الأعمال التي يمكن للمسلم القيام بها من أجل كسب الحسنات ورضا الله عزّ وجل؛ حيث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتقليده في جميع أفعاله من مأكلٍ ومشربٍ؛ بل وصل بالصحابة أنهم كانوا يتبعونه في مشيته صلى الله عليه وسلم. فاتّباع سنَّته عليه الصلاة والسلام في تأدية الصلاة فيها الكثير من الفوائد، إضافةً إلى أنها تقود المسلم إلى تأدية الصلاة بالشَّكل الصحيح الذي يُقرِّبه من الله عز وجل، فكيف كانت صلاته صلى الله عليه وسلم؟
سنجيب عن سؤال كيف كان يصلّي الرسول معتمدين على ما ذكره الشيخ العلَّامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله؛ حيث إنّ الشيخ اعتمد في معظم كتابه على حديث المسيء في صلاته، والذي هو: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ،فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ - ثَلاثاً - فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ معك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) [صحيح البخاري].
كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يصلي
وصّى الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة المسلمين بتأدية الصلاة مثلما كان يصلي، حيث إنّه قال صلى الله عليه وسلم: (صلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي) [صحيح البخاري]، وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم كالتالي:
الوضوء
لا تجوز الصلاة من غير وضوءٍ صحيح، وكان صلى الله عليه وسلم يسبغ الوضوء؛ حيث إنّ طريقة الوضوء جاءت على عِدَّة حالات، منها ما ورد في صحيح البخاري عن مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، (عن حمران مولى عثمان بن عفان: أنّه رأى عثمان دعا بوضوء، فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رِجلٍ ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه)[صحيح البخاري].
استقبال القبلة
مع النيّة في القلب بأداء الصلاة، فقد كان الرسول يتجه إلى القبلة بجميع جسده، وقد أمر الرجل المسيء في صلاته في الحديث الذي ذكرناه سابقاً، وأما إذا كان عليه الصلاة والسلام مسافراً فقد كان يصلِّي على راحلته النوافل وصلاة التَّطوُّع، (كان صلى الله عليه وسلم يُصلي النوافل على راحلته ويوتر عليها حيث توجَّهت به –شرقاً أو غرباً)[أبو داود وابن حبان في الثِّقات]. أمّا إذا أراد صلاة الفريضة كان ينزل عن راحلته ليُصلِّيها، (كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد صلاة الفريضة نزل فاستقبل القبلة) [البخاري وأحمد].
القيام
فَرَضَ الإسلام القيام كركنٍ من أركان الصلاة وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: (وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِين) [البقرة: 238.]، وقد صلى الرسول عليه الصلاة والسلام جالساً في مرض موته [الترمذي وأحمد].
وجوب اتّخاذ السُّترةُ
أوجب الرسول عليه الصلاة والسلام السُّترة أمام المُصلِّي، حتى لا يقطع أحدٌ صلاته بالمرور أمامه، حيث إنه كان عليه الصلاة والسلام (يقف قريباً من السُّترة، فكان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع) [البخاري]، وكان (بين موضع سجوده والجدار، ممرُّ شاةٍ) [البخاري ومسلم]. وكان عليه الصلاة والسلام يجعل حربةً يغرزها في الأرض إذا صلى في الفلاة، وأما إذا أراد أحدٌ المرور بين المُصلِّي والسُّترة فليوقفه، فإن أبى فليمنعه، فإن أبى فليُقاتله وقد قال عليه الصلاة والسلام عنه: (فإن أبى فليقاتله، فإنتعرف ما هو شيطان) [البخاري ومسلم].
النيَّة
مكان النيَّة في القلب، ولم يتلفظ الرسول عليه الصلاة والسلام بالنية بتاتاً من أجل أداد صلاته، وإنّما قال: (إنما الأعمال بالنِّيات، ولكلِّ امرئٍ ما نوى) [البخاري ومسلم].
التَّكبير وقبض اليدين
أداء تكبيرة الإحرام من أركان الصلاة، لأن النبيَّ عليه الصلاة والسلام أمر بذلك للمسيء في صلاته، مع النظر إلى موضع السجود، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام عندما يكبّر تكبيرة الإحرام يرفع يدية مع التكبير، وبعد التكبير، وقبل التكبير [البخاري]، وكان يرفعهما بمحاذاة فروع أذنيه أو منكبيه [البخاري]. ثمّ وضع اليد اليسرى على الصدر، ثمّ وضع اليد اليمنى فوقها [مسلم].
قول دعاء الاستفتاح
كان يأمر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أصحابه بحمد الله وتمجيده في بداية الصلاة، حيث إن أدعية الاستفتاح واردة بعدَّةِ صيغ، يقرأ منها المصلي ما يشاء، ومن هذه الأدعية، (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثَّوب الأبيض من الدَّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثَّلج والبَرَد) [البخاري ومسلم].
القراءة
كان يبدأ النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام بالاستعاذة من الشيطان الرَّجيم، ويبدأ بسورة الفاتحة بعد البسملة، فإذا كانت الصلاة جهريّة يجب الجهر بكلمة "آمين"، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا) وبعدها ما تيسّر من القرآن الكريم.
أداء الركوع مع التكبير ورفع اليدين حذو المنكبين، ثمّ الركوع ووضع اليد اليمنى على الركبة اليمنى وكذلك اليد اليسرى على الركبة اليسرى مع تفريق الأصابع، وثم الطَّمأنينة أثناء الركوع كما أمر المسيء في صلاته، ومن ثم ترديد "سبحان ربي العظيم" ومن المستحب ترديدها ثلاث مرات، وكذلك كان عليه الصلاة والسلام يقرأ أذكاراً أخرى في الركوع، منها قوله: (سبوحٌ قُدُّوسٌ، رب الملائكة والروح) [ مسلم]، أو قوله: (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي) [البخاري ومسلم].
الرفع من الركوع
يرفع المُصلِّي رأسه من الركوع، ويرفع يديه، ويقول: "سمع الله لمن حمده"، ثم يتبعها بقول: "ربَّنا ولك الحمد" ويجب الاطمئنان واقفاً، وقد تبيَّن معنا هذا في حديث المسيء في صلاته، ومن المستحب الدعاء بـ" ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً، فيه ملء السموات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد" وهذا إذا كان إماماً، بينما لوكان مأموماً فإنه يستبدل قول" سمع الله لمن حمده" بـ" ربنا ولك الحمد" ويدعو بالدعاء السابق.
السجود
يُكبِّر المصلِّي ويهوي بيديه قبل ركبتيه، وذلك لقول النبيِّ عليه الصلاة والسلام: (إذا سجد أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) [أبو داود، والنسائي، وتمَّام]، ويجب أن تسجد سبعة أعضاء من جسم المصلي وهي: الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، وبطون أصابع الرجلين، وتجب الطمأنينة في السجود كما ذكرناه سابقاً بحديث المسيء في صلاته؛ حيث يردِّد الساجد: " سبحان ربي الأعلى"، ومن المستحب ترديدها ثلاث مرات أو أكثر، ثمّ الإكثار من الدعاء، كما إنّه عليه الصلاة والسلام كان يذكر أدعيةً وأذكاراً أُخرى، كالتي ذكرناها في أدعية الركوع.
الرفع من السجود
يرفعُ الساجد رأسه مع التكبير، فيأتي جالساً مع فرش الرجل اليسرى والجلوس عليها مع الاطمئنان، ثم وضع اليدين فوق الركبتين، وتوجيه الأصابع نحو القبلة، والدعاء بـ "ربّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني واجبرني"، ثم السجود كما في السجود الأول.
القيام من السجود
القيام من السجود مع التَّكبير لأداء الركعة الثانية كما في الركعة الأولى، حيث إنّه عليه الصلاة والسلام كان يقوم معتمداً على الأرض بقبضتي يديه [البخاري].
التشهُّد الأول
في التَّشهُّد الأول يتم نصب الرِّجل اليمنى مع فرش الرِّجل اليسرى بعد السجود الثاني، كما لو أنه كان جالساً بين سجدتين كما بيَّنا سابقاً في وضعية الرفع من السجود، كما أنّه يجب وضع اليد اليُمنى على الفخذ أو الركبة اليُمنى مقبوضةً ومشيراً بإصبع السَّبابة نحو القِبلة، ووضع اليد اليُسرى مبسوطةً على الفخذ أو الرُّكبة اليُسرى، وموجِّهاً بالأصابع نحو القبلة، ثم قراءة التَّحيات، والتي لها عدَّة صِيَغٍ صحيحةٍ واردة، فمنها ما رواه ابن مسعودٍ رضي الله عنه: (التَّحيَّات لله والصَّلاوات والطَّيِّبات، السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللهِ الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلى الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) [البخاري ومسلم].
كان عليه الصلاة والسلام يصلي على نفسه وأمر بذلك للمسيء في صلاته؛ حيث إن للصلاة على النبي عِدَّة صيغٍ صحيحة، ومنها: (اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد) [البخاري ومسلم].
القيام من التشهُّد الأول وإتمام الصلاة
كان عليه الصلاة والسلام يقوم إلى الرَّكعة الثالة بعد التَّشهد الأول، فيُكبِّر وكان أحياناً يرفع يديه مع التكبير، ثم يفعل كما فعل بالركعتين الأوليين، ويفعل في التشهد الثاني (الأخير) كما فعل بالتشهد الأول، ولكن كان ويدعو بـ "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"، ثمّ الدعاء بأي شيءٍ بدا له [مسلم].
التسليم من الصلاة
كان عليه الصلاة والسلام يُسلِّم عن يمينه أولاً حتى يُرى بياض خدِّه الأيمن ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، ثم يُسلِّم عن يساره حتى يُرى بياض خده الأيسر ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، وكان أحياناً يزيد في التسليم الأيمن كلمة (وبركاته) [أبو داود، وابن خزيمة].
عدد الصلوات وعدد ركعاتها
فرض الله على الناس في اليوم والليلة خمس صلوات، وهي:
- صلاة الفجر: ركعتين.
- صلاة الظُّهر: أربع ركعات.
- صلاة العصر: أربع ركعات.
- صلاة المغرب: ثلاث ركعات.
- صلاة العشاء: أربع ركعات.