لقد أرسل الله تعالى جلَّ في علاه رسله مبشّرين ومنذرين – عليهم الصلاة والسلام – أجمعين، والهدف من إرسالهم هو تبشير الناس بدين الحقّ وضرورة توحيد الله تعالى وعبادته والتوجّه إليه، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون هناك شيوع للأخلاق الحسنة ما بين الناس، كما أنّه أرسل معهم التّشريعات والشعائر الّتي يتوجّب عليهم الالتزام بها؛ فالتّشريعات هي المنهج الّذي ينتهجه أتباع الدين، أمّا الشّعائر فهي العبادات الّتي توجب عليهم أن يقوموا بها، لهذا السبب ومن هنا فقد أيّد الله تعالى رسله بالعديد من الأمور وكان معهم في كلّ خطوةٍ يخطونها ليحميهم ويدافع عنهم؛ فهم لم يصلوا إلى مرتبةٍ عالية ورفيعة إلّا بعد أن بذلوا جهداً كبيراً وعناءً ومشقّة.
إنّ الدين الحق يحتاج لأشخاصٍ مؤهّلين للقيام بمسؤوليّاته، ولهذا فقد سدّ الله تعالى الأبواب كلّها على من يريد التشكيك ولو بأبسط شيء يلتقطه أيّ شخص على أنبياء الله تعالى، ومن هنا جاءت عصمة الأنبياء عن الوقوع في المعاصي واللاأخلاقيات حاشاهم، فلو كانوا قد وقعوا في مثل هذه الأمور المحرّمة والتي تنافي الفطرة السويّة سواء قبل بعثتهم أم بعد البعثة لما استمع أقوامهم إليهم؛ لأنّهم لن ينظروا إلى هؤلاء الأنبياء والرسل حينها على أنّهم عدول بل سيقولون مباشرة أنّه كيف لمثلك أن يدعونا إلى طريق الاستقامة؟ ولهذا السبب فقد سدّ الله تعالى عليهم هذا الباب نهائيّاً، فعصم الله تعالى أنبياءه ورسله عن كلّ ما ينافي الأخلاق، فكانوا أحسن النّاس أخلاقاً قبل بعثتهم وبعدها.
ومن ضمن الأبواب الأخرى التي سدّها الله تعالى على الكفّار المشركين أنّ كافة الأنبياء والرسل هم راجحو العقل، ولعلّهم من أكابر أقوامهم لما شهدوه وعرفوه عنهم من رجوحٍ في العقل وحكمة بالغة تصدر من أفواههم، فلو لم يكونوا كذلك لكان هذا الأمر مطعناً كبيراً أيضاً في أهليّتهم للخوض في مثل هذا الأمر، ومن هنا فقد كان سدّ الله تعالى لهذا الباب سداً واضحاً، فرجاحة عقل الأنبياء والرسل واضحة، فكلّهم لم يعبدوا ما كان يعبده أقوامهم، وكانوا يعتزلوهم وينأون بأنفسهم عن الخوض في الّذي يخوض فيه الناس العاديّون، ومن هنا تبيّن للّناس شدة تميز وتفرّد هؤلاء البشر، فما إن بُعث الرسل والأنبياء حتى لم يجدوا على أهليّتهم ما يمكن لهم أن يتّخذوا منه استخفافاً واستهزاءً في حقّهم وتكذيبهم لما جاؤوا به، فكان كفرهم تكبّراً وعناداً وليس شكّاً لا في الأنبياء والرسل ولا في صحّة ما جاؤوا به من الحق.