يتميّز الرّجل الحكيم بصفاتٍ تؤهله لأن يكون ذا حظوةٍ و حضورٍ لدى قومه ، فالحكيم هو الرّجل العاقل ثاقب البصيرة الذي ينظر إلى الحوادث و الأمور بعين الخبرة و العلم الواسع ، فقلّما يخطؤ حدسه و يسدّد بحكمة رأيه فلا يخطىء رميه ، هو ملتجأ الحيارى الذين ينشدون الحقّ و الحقيقة ، و هو المنارة التي بها تهتدي النّاس و تسترشد و تستبين الطّريق ، فالحكيم يبني لنفسه معرفةً يختزلها من تجاربه السّابقة و تراه يقرأ الأحداث و يستنبط العلل من الأحكام و التشريعات بعيداً عن الهوى و العاطفة ، و الرّجل الحكيم يكون متأنياً غير متسرعٍ في أحكامه على الأشخاص و الأحداث فإذا استشاره أحدٌ رأيته يعطيه زبدة الكلام و خلاصته بحنكةٍ و بصيرةٍ .
و قد اشتهر كثيرٌ من النّاس بالحكمة قديماً و حديثاً فكان الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام من خيرة البشر اصطفاهم الله و طهّرهم و آتهم الحكمة و الشّريعة ليحكموا بين النّاس بالعدل و منهج الله سبحانه ، فقد آتى الله سبحانه و تعالى سيّدنا داود عليه السّلام الحكمة فقال جلّ من قائل " و آتيناه الحكمة و فصل الخطاب " ، و كذلك سيّدنا يحيى عليه السّلام فقد آتاه الله الحُكم صبيا فكان ممّا يروى عنه أنّه كان يأتيه الصبيان ليلعب معهم فيردّ قائلاً : ما لهذا خلقنا ، و كذلك اشتهر لقمان الرّجل الصّالح بالحكمة فكان يعظ إبنه المواعظ البليغة ، و قد كان قديماً مفكرون اشتهروا بالحكمة مثل أرسطو و أفلاطون و سقراط و لكن كانت حكمتهم ناقصةً لأنّهم لم يربطوها بمنهج الله سبحانه و تعالى فكانت حكمتهم ناقصةً مبتورةً .
و قد بيّن القرآن أن من يعطى الحكمة فقد أعطي خيراً كثيراً ، فبالحكمة يستبصر المرء طريقه و يدرك حكمة الله سبحانه في خلق الكون و البشر فلم يخلق الله سبحانه و تعالى ذلك كله عبثاً و حاشاه سبحانه ، إنّما كان خلقه بتدبيرٍ منه سبحانه و حكمة فهو الحكيم الذي لا يسأل عمّا يفعل ، و هو الذي وضع الشّرائع للخلق بما يثصلح دنياهم و آخرتهم .
و دعا الإسلام الدعاة إلى الحكمة في دعوتهم للنّاس و الموعظة الحسنة ، كما دعا إلى المجادلة بالتي أحسن قال تعالى " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ، إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين " صدق الله العظيم .