سلامة النّفس الإنسانيّة
جاءت الشّريعة الإسلاميّة الغرّاء بما يصلح حال البشريّة في الدّنيا، ويُحقّق لها السّعادة والرّاحة والطّمأنينة، وقد كانت للشّريعة الإسلاميّة مقاصد وغايات تسعى لتحقيقها ومن ضمنها أن يتمتّع الإنسان بالصّحة والعافية في بدنه ونفسه، من أجل ذلك حاربت الشّريعة الإسلاميّة كلّ الأمور التي تضرّ بالبدن والنّفس.
حرّمت الشّريعة كلّ شيءٍ يلحق الضّرر بها انطلاقًا من القاعدة الشّرعيّة لا ضرر ولا ضرار، وقد كان الهدي النّبوي يشتمل على كثيرٍ من التّوجيهات والإرشادات النّبويّة من أجل صلاح النّفس البشريّة من جمع النّواحي، فكيف كانت معالجة الشّريعة الإسلاميّة لحالة الحزن والكآبة التي تمرّ على الإنسان؟ وكيف كان هدي النّبي الكريم في معالجة الهمّ والحزن؟
منهج الشّريعة الإسلاميّة في الوقاية من الحزن والإكتئاب
ركّزت الشّريعة الإسلاميّة ابتداءً على تصحيح العقيدة لدى المسلمين من خلال تعميق الإيمان بالله تعالى وما يستجوبه هذا الإيمان من إخلاص العبادة لله تعالى وإفراده سبحانه بما يستحقّه من الأفعال من رجاءٍ ودعاءٍ وتوسّل واستغاثة وتوكّل وخوف وخشية، ولا شكّ بأنّ هذا الإيمان بمظاهره جميعها يجعل المسلم مطمئاً راضيًا بما كتبه الله تعالى له؛ فالمسلم يدرك يقينًا أنّه لن يصيبه إلاّ ما كتبه الله له عليه من بلاء، وكذلك لا يصل إليه رزقٌ أو منفعة إلّا ما كتبه الله له، كما أنّه مؤمنٌ بالقضاء والقدر فلا يخاف من تقلّب الزّمان وتغيّر الظّروف وقسوة الحياة، وقد كانت توجيهات النّبيّ الكريم عليه الصّلاة والسّلام لابن عباس خير دليلٍ ومرجعٍ في ترسيخ عقيدة التّسليم لله تعالى في قلب العباد.
وقد لَقي النّبي عليه الصّلاة والسّلام أحد الصّحابة وهو جالسٌ في المسجد في غير وقت الصّلاة؛ فجلس إليه مستفهمًا عن سبب همّه وحزنه، فاشتكى الرّجل لرسول الله عن حاله وكثرت دينه فدلّه النّبي عليه الصّلاة والسّلام على دعاءٍ يذهب عنه كلّ ذلك وهو قوله (اللّهم إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وقهر الرّجال وغلبة الدّين)؛ فالاستعاذة بالله تعالى من كلّ ذلك ممّا يحمي المؤمن ويقيه من الاكتئاب والحزن .
أرشد النّبي عليه الصّلاة والسّلام أمّته إلى علاج و دواء آخر للحزن والاكتئاب وهو التّلبينة، والتّلبينة هي عبارة عن مطحون الشّعير الذي يوضع في إناءٍ ثمّ يضاف إليه ماء، ثمّ تُغلى تلك المكوّنات حتّى ينضج الشّعير، وقد بيّن النّبي عليه الصّلاة والسّلام أنّ التّلبينة هي مجمّة للفؤاد تذهب ببعض الحزن، ومعنى مجمّة للفؤاد أي تنشّط الفؤاد وتقوّيه، ومعنى تذهب ببعض الحزن أي تزيل حالة الكآبة والحزن التي تمرّ على الإنسان بسبب فقدان عزيزٍ أو غير ذلك من الابتلاءات .