خطبة الوداع
حبا الله تعالى رسوله الكريم بقدرة بيانية وبلاغية من الطراز الرفيع، وقد وظف الرسول الأكرم هذه القدرات البيانية المتميزة أحسن توظيف في دعوته إلى الله تعالى، فكان للكلمات وعبارات التي تنساب من فمه الشريف وقع على أذن من يستمع إليه. اشتهر عدد كبير من أقوال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، إلى درجة أن بعض الدول غير الإسلامية صارت تستعملها لعرض القيم التي تود بثها بين شعوبها.
من بين أبرز ما قاله رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، تلك الخطبة التي شرقت وغربت، والتي استطاعت أن تلخص أهم المبادئ الإنسانية التي إن التزم الناس بها، وليس المسلمون فقط، سعدوا في الدنيا، واستطاعوا بناء حضارات أخلاقية. وقد سميت هذه الخطبة الشريفة باسم خطبة الوداع، كونها ألقيت من قبل الرسول الأعظم في حجة الوداع.
حملت هذه الخطبة وصايا خاتم الأنبياء والمرسلين، ويمكن القول أنها ملخص لأهم المبادئ التي دعت إليها تلك الرحلة الطويلة من الدعوة إلى الله والتي ابتدأها آدم –عليه الصلاة والسلام-، واختتمها محمد –صلى الله عليه وسلم-. وفيما يلي تفصيل هذه المبادئ.
شرح خطبة الوداع
استعرضت خطبة حجة الوداع مبادئ إنسانية سامية، أولها التأكيد على حرمة دم الإنسان، وعلى حرمة ماله، وقد شدَّد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في التأكيد على هذا الأمر، وشبه حرمة الدم والمال بحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام.
بعد ذلك انتقل الرسول إلى التأكيد على أمرين هامين هما: تأدية الأمانات لأصحابها كاملة غير منقوصة، وتحريم التعامل بالربا، لما يتسبب به من تشاحن وتباغض، وتحاسد، وتدابر بين الناس، ولما فيه من استغلال القوي للضعيف المحتاج، وقد وضع الرسول –صلى الله عليه وسلم- كل أنواع الربا، وابتدأ بربا عمِّه العباس بن عبد المطلب –رضي الله عنه-.
انتقل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك إلى التأكيد على واحد من أهم المبادئ التي يتحدث بها العالم كله اليوم شرقاً وغرباً، ألا وهو حقوق المرأة، حيث شدد الرسول في خطبة الوداع على أهمية وفائدة التعامل الحسن مع النساء، وعلى ضرورة إعطائهن كل ما يطلبنه من حقوقهنَّ المشروعة.
بعدها أكَّد الرسول الأعظم على أهمية وفائدة انتشار الأخوَّة بين أبناء المجتمع الإسلامي، ومن مظاهر هذه الأخوة أن لا يأخذ الأخ من مال أخيه شيئاً، فالأموال حرام على من لا يملكها. كما أبطل رسول الله في هذه الخطبة عادات الجاهلية القبيحة، وأكد على معيار التفاضل الجديد بين الناس ألا وهو التقوى، فلا فضل لأحد على أحد آخر، إلا بالتقوى، والله تعالى هو المطلع على القلوب، العالم بأحوال الناس، وهو وحده الذي يعلم من عمَّرت التقوى قلبه، وكيانه.