الأنبياء والرسل
لم يرسل الله تعالى أنبياءه ورسله -عليهم صلوات الله وتسليماته- عبثاً، إنما أرسلهم ليخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ولنشر الرحمة بين سكان الأرض جميعهم، فعندما تضيق الحياة على سطح الأرض، وعندما ينتشر الظلم، والجهل، والتخلف، والقتل، وسفك الدماء بالباطل، وهضم الحقوق، وإذلال عباد الرحمن، عندها يمكن القول أن التمسك بالقيم المثلى، والمعاني السامية، من احسن وأفضل ما ينجي الإنسان، وينقذه، ويحمله إلى بر الأمان.
الإنسان عموماً يحتاج عادة إلى النهضة، وحتى ينهض فهو بحاجة إلى قدوة ومثل أعلى، وربما كان إرسال رسل للناس منهم هو أحد سبل تحقيق هذا الأمر، فعندما يوقن الإنسان، أي إنسان، أن رسول رب العالمين رجل مثله، عندها يمكن القول أن مجال أن يتخذ هذا الإنسان الكامل قدوة له أكبر.
الرسول عليه السلام
الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الرسول الخاتم حامل الرسالة الخاتمة التي أرسلها الله تعالى رحمة للإنسانية منذ لحظة بعثته إلى أن تقوم الساعة، ومن هنا فإن انعكاس هذه الرحمة على أرض الواقع لهو النفع الأكبر الذي أهداه الله تعالى لهذه الإنسانية، فالرسالة الإسلامية تحاكي فطرة الإنسان أساساً، وهذا المرتكز يعتبر من أهم المرتكزات التي انطلقت منها هذه الرسالة وعمت وانتشرت في مختلف أرجاء الأرض.
قدم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- للعالم نماذج رائعة في طريقة التربية، وفي طريقة التغيير شأنه بذلك شأن باقي الرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى هذا العالم، فنماذج التغيير التي تبناها الأنبياء والرسل ومنهم رسول الله الأعظم -صلى الله عليه وسلم- لم تبن على الدم، والرسول لم يدخل في اى صراع (معارك) مع أعدائه إلا عندما اعتدي عليه من الآخرين وعندما أسس دولته المستقلة فقط، ولولا ذلك، أي لو بقي في مكة ولم يطرد منها هو ومن آمن معه، لما سمعنا عن معركة واحدة في التاريخ الإسلامي، فالإسلام دين رحمة أولاً وأخيراً.
أكمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طريق الرسل الآخرين الذين أرسلهم الله تعالى قبله، فرسالة المسيح لم تختلف عن رسالة محمد، ورسالة موسى كذلك الأمر، وهذا التكامل أسهم في ازدياد أعداد الموحدين على وجه البسيطة مما أتاح المجال أكثر لمختلف أصناف الناس للتعرف على الله، والسير على خطاه من خلال المتدينين من أتباع كافة الأنبياء والرسل، والذين أكملو الطريق من بعد أنبيائهم، وليس المقصود المتدينين المتناحرين بسبب الاختلافات التشريعية وغيرها، بل المقصود أولئك المتدينين الذين اتفقوا فيما بينهم على عبادة رب واحد وعدم الإشراك به، والتعاون لنشر هذه الرسالة العظيمة السمحة التي أنزلها الله تعالى إلى الأرض عبر أنبيائه ورسله الكرام.
من أهم ما قدمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمختلف الناس الأخلاق الحميدة، وقد قال رسول الله في الحديث الشريف: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ومن هذا الحديث يفهم أن الرسول لم يأت لإيجاد الأخلاق من العدم، فالإسلام ليس حصرياً، والمسلم يجب أن يعترف بالفضل للآخرين، وقد جاءت قبل الإسلام حضارات تعاقبت على مدى آلاف السنين، كما مر على هذه الأرض الأنبياء، والرسل، والعلماء، والمفكرون، والفلاسفة، والعظماء، وقسم كبير من هؤلاء جاء قبل بعثة النبي، وقد أسهم هؤلاء وغيرهم في الحث على الأخلاق الفاضلة، من هنا فإن رسول الله محمد تعرف ما هو إلى حجر في سلسلة كبيرة ولكن أهميته عظيمة جداً.