الله تعالى هو من خلق المخلوقات و هو من خلق الإنسان و هو أرحم بهم من أنفسهم، و هو المحاسب لهم على ما اقترفوه من تقصير بحق أنفسهم و بحقه و بحق المجتمع من حولهم، و هو الذي يعلم ما بداخلهم و هو الذي عنده العدل و الرحمة و الحب و العطف و هو العالم بمشروطياتهم، ليس عنده الظلم و لا يلجأ إليه المضطر إلا أجابه، هو من سيقتص من الظلمة و من المجرمين، و هو الذي سيجزي الصالحين أجرهم و هو الذي يعلم ما أخفي من الأسرار و ما يحاك من مؤامرات، فهو العالم بكل شئ وبكل الأحوال وبكل الناس.
لهذا أيضاً فهو من يملك حق العفو و المغفرة و الصفح عن الناس و عمن أخطأ منهم، و قد عرض القرآن الكريم هذا المفهوم وتعريف ومعنى بشكل واضح جداً و دقيق، لا يجعل هناك مجالاً للشك بأن رحمة الله بنا واسعة، و أن مفهوم وتعريف ومعنى الله الرحمن الرحيم هو المفهوم وتعريف ومعنى الأبرز و الأوسع لله تعالى، و من هنا حبب الله تعالى خلقه فيه، فالناس في غالبيتهم يحبون الرحمة فالطيبة و الخير شي متأصل فيهم و هو الحالة العامة، و الشر هو الشاذ عن القاعدة، و حتى على مستوى البشرية نستطيع ملاحظة ذلك، فالحروب – على سبيل المثال -، تمثل حالات قليلة و فترات ضئيلة إذا ما قارناها بفترات الهدوء و العيش السالم، و لكن هذه الفترات أخذت كل هذا الصدى و هذا الاهتمام لأنها كالنقطة السوداء على الثوب الأبيض، و هي أيضاً ضرورية لأن بها يختبر الله تعالى البشر، و يختبر إذا ما كانوا على العهد سائرون، أم أنهم إلى طريق الهاوية ينحدرون !!!!
أما مفهومي العفو والمغفرة اللذان عرضهما القرآن الكريم و كلام الله تعالى المنزل الصادق الدقيق البليغ، فهما مفهومان يظهران مدى حب الله تعالى لعباده ومخلوقاته ومدى رحمته بهم، و هما قطعاً لا يحملان نفس المعنى، فالمغفرة معناها أن الله لن يعاقب الإنسان على فعله وأكثر من هذا هو سيمحوه نهائياً حتى لا يخجل العبد منه، أي أنه كأن شيئاً لم يكن، فهو بذلك يستر على عبده هذا الذنب، أما العفو فهو سقوط العقاب مع بقاء الذنب والمعصية في السجل، وبالتالي لن يسقط التثريب عن العبد، ومنه فإن الإنسان يجب أن يدعو دائماً الله عز وجل بالمغفرة والعفو فهما سبيله للنجاة وأن يدعوه أيضاً بإنزال رحمته عليه وعلى سائر المخلوقات، فرحمة الل واسعة لا حدود لها.