الكعبة المشرّفة هي أوّل بيت وُضعَ في الأرض للعبادة، وقد بنتها الملائكة باديءَ الأمر كما بناها أيضاً آدم عليه السلام واستمرَّ قائماً حتّى أزيلت بسبب طوفان نوح عليه السلام الذي أصاب أهل الأرض في الزمن القديم.
وقد قامَ سيّدنا ابراهيم عليه والسلام وابنهُ الأكبر اسماعيل عليه السلام برفع قواعد الكعبة، وأقاموا بنائها على حسب القواعد التي وضعتها الملائكة في أساس الأرض، وتُعتبر الكعبة هيَ البيت الأول الذي وضعهُ الله في بكّة أو منطقة مكّة المُكرّمة وما زال بهِ الحال هذا البيت حتّى أضحى قِبلة المُسلمين يتوجّهون إليه في صلاتهم امتثالاً لأمر الله ورغبة نبيّه صلّى الله عليهِ وسلّم.
ولأنَّ الكعبة المُشرّفة هي أعظم مسجد وأطهر بيت يُعبد فيه الله عزَّ وجلّ فلا بُدَّ لهذا البيت من الرعاية والاهتمام ومِن هُنا كانت المهنة الأسمى والشرف الأعظم في القِيام على خدمة البيت وتوفير سُبِل الراحة لِعُمّاره وزوّاره، وهذهِ المِهنة في رعاية البيت وتقديم الخدمة له من ناحية الصيانة والنظافة والخدمة هيَ السِدانة، وسِدانة الكعبة شَرَفٌ يتنازعهُ الناس، ولكن رسولَ الله صلّى الله عليهِ وسلّم أناطها بقومٍ اختصّهم لهذهِ الغاية وهُم بنو طلحة أو آل شيبة.
وقد كانت سِدانة الكعبة يقوم بها اسماعيل عليه السلام، وقد اعتنى بها عليه السلام أشدَّ العناية وانتقلت بعد ذلك إلى قوم جُرهم وهُم القوم من العرب الذين سكنوا مكّة، وعادت سِدانة الكعبة إلى ذُريّة إسماعيل عليهِ السلام في عهد قصيّ بن كِلاب ، الذي يُعدّ الجدّ الرابع للنبيّ صلّى الله عليهِ وسلّم، وقد قامَ على سدانتها حقَّ قيام، وكانَ العرب لا يُنفقون على الكعبة إلاَ من أموال يعتقدون حِلّها، فلا يُدخلون فيها ما خَبَثَ من أموال الربا أو الزنا.
وقد كانت السِدانة أيضاً في بني عبد الدار، حتى انتقلت بعد ذلك إلى عُثمان بن طلحة بن أبي طلحة وإلى ابن عمّه أيضاً شيبة بن عثمان الاوقص بن أبي طلحة الذي كانَ سادن الكعبة قبل الإسلام وبعدها، وأقرّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على سدانته لها فلا ينزعها منهم إلاّ ظالم، وبالفعل فما زالت السدانة بأيديهم ومفتاح الكعبة كذلك في أيديهم إلى يومنا هذا، ويتوارث آل شيبة مُفتاح الكعبة ويتوارثونَ معه الشرف والرفعة وعلوّ المنزلة، ويكون سادن الكعبة موجوداً عند غسل الكعبة حيث تُغسل مرتين كلّ عام من الداخل بماء زمزم الطاهر الممزوج بدُهن الورد والعود وهو من أجود الأنواع وأكثرها عبقاً.