قيام الليل
في الثلث الأخير من الليل، ينزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: "هل من سائل فأعطيه، هل من داع أستجيب له؟، وقت عظيم يتجلى الله سبحانه وتعالى على عباده برحمته ونعمائه وبركاته، في هذا الوقت العظيم يستيقظ العابدون المشتاقون إلى حبيهم يخلون به هاربين من ضوضاء الحياة وماديتها إليه يبثون أشواقهم المرهفة المرهقة فيتجلّى على قلوبهم فيغمرها بفيض من حب، ودفء، وراحة، وسكينة تسري في أوصالهم فتعيدها من جديد إلى رشدها.
قيام النبي صلى الله عليه وسلم
الليل مدرسة تربى في حضرتها الصالحون وتخرجت قلوبهم من صفوفها قلوباً نقيةً طاهرة من كل ما يشوب إيمانها أو يفسده، وهي مدرسة الأنبياء والمرسلين من قبلهم فيها نهجوا طريقهم إلى ربهم في وقت القرب والحب، فأطالوا ليلهم بالقيام وقصروا نهارهم بالصيام، فقد أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالليل فقال جل في علاه مخاطباً النبي: " يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا." فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل فيطيل ويقرأ فيه ما تيسر له من القرآن، حتى قالت عنه عائشة كان النبي يقيم الليل حتى تفطّرت قدماه فقالت له يا رسول وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال لها:" أفلا أكون عبداً شكوراً"، فالليل هو النهر الدفّاق الذي لا ينضب، فالبيت الذي تصلّى فيه صلاة القيام بيت يصعد منه النور إلى السماء السابعة، هوسرٌ لا يحبوه الله إلا من يحب.
سورة البقرة في قيام الليل
لقد حثّنا النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن لما له من أجر عظيم عند الله عزّو جل وخاصة سورة البقرة حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:" اقرؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه، اقرؤوا الزهْرَاوينِ: البقرةَ وآلَ عمرانَ، فإنَّهما يأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غمامَتانِ أو غيايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقَانِ من طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرؤوا سورةَ البقرةِ ؛ فإنَّ أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطَلَةُ" هذا فكيف لو جمعنا الخيرين معاً صلاة في قيام وقراءة قرآن؟ ولذلك كله أدرك الصحابة ذلك حتى روي عن بعضهم أنه كان يقوم ليله بركعتين يقرأ فيهما القرآن كله، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من قبلهم إذ كان يقيم ليله بالقرآن ويطيل، ونجد البعض يقيم صلاته بسورة البقرة تلك الفضيلة التي تحمي صاحبها من حرقة الشمس يوم القيامة إذا دنت من الرؤوس حتى تغدو كالغمامة التي تذهب تعب صاحبها وحره وعطشه.
سورة البقرة لها أياً من فضل عظيم في تفريج الكروب والهموم، وزيادة الرزق، وشفاء المرض، وفك السحر، وذهاب العين، والزواج والأبناء والتوفيق في الدنيا والآخرة، كل ذلك مع الاعتقاد الجازم بأن الأمر لله وحده وهوالذي بيده الشفاء والفرج، كذلك الصبر حتى يحقّق الله ما يريد، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإّن طريقة صلاتها ما شئت ثم تقّسم عدد الصفحات على كل ركعة كما تحب، وبعد الانتهاء اجلس قليلاً واستغفر ربك وادعوه لتنال بركة "والمستغفرين بالأسحار"هذه هي مفاتيحنا لجميع أمورنا التي تفتّح لها أعتى الأبواب.