ما فضل قيام الليل
لقد تضافرت وتكاملت نصوص الوحي من كتاب الله سبحانه وتعالى، وكذلك أحاديث رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - و التي تتحدّث عن فضل قيام الليل، ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" احسن وأفضل الصّيام بعد رمضان شهر الله المحرّم، واحسن وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة الليل "، وكذلك ما رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" أيّها النّاس أفشوا السّلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل، والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام ".
وقال صلّى الله عليه وسلّم:" يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل "، متفق عليه، وقال صلّى الله عليه وسلّم:" نعم الرّجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً "، متفق عليه. (1)
وقد قام الله سبحانه وتعالى بمدح أهل قيام الليل، ومن يقومون عليه، والقانتين فيه، وقد أثنى عليهم، ووعدهم على ذلك أعظم موعدة ، فقال سبحانه وتعالى:" تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً وممّا رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاءً بما كانوا يعملون "، السجدة/16-17.
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن صفوة عباده، وأنّهم قد استحقوا الجنّة، وذلك لأنّ من صفاتهم أنّهم:" كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون "، الذاريات/17-18، وقد كان النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يرغّب المسلمين في قيام الليل ولو بقدر حلب النّاقة، بمعنى في وقت يساوي الوقت الذي تحلب فيه النّاقة، وأقلّ قيام الليل ركعة يصليها المسلم وتراً.، كما يعتبر قيام الليل دأب الصّالحين وهديهم، ومن الاحسن وأفضل أن يختم المسلم قيام الليل بالوتر، وذلك امتثالاً لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً "، رواه البخاري ومسلم. (2)
الفرق بين الوتر وقيام الليل
لا يوجد أي تعارض بين نيّة صلاة الوتر، ونيّة صلاة قيام الليل، لأنّ الوتر هو جزء من قيام الليل بلا شك، وإنّما اختلف الفقهاء حول فيما ينوى بالرّكعات التي يصليها المسلم قبل الوتر، فمنهم من قال أنّه يجب أن ينوي بها التطوع المطلق، وينوي بالواحدة المنفصلة، أو الثّلاث، أو الخمس، أو السّبع، أو التّسع المتصلات على أنّها صلاة الوتر، وذلك لأنّ الوتر اسم لها لا لما قبلها من الصّلاة، وهذا هو ظاهر كلام ابن القيّم. ومنهم من قال أنّه ينوي بالرّكعات التي قبل صلاة الوتر أنّها جزء من الوتر، والوتر هو اسم لمجموع هذه الصّلاة المختومة بالوتر، وصلاة قيام الليل لا حدّ لأكثرها، بل مهما زاد الإنسان من الصّلاة وأكثر منها فهي تعتبر زيادةً في الخير، قال في حاشية الرّوض:" صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر بلا نزاع ".
وبالتالي فإنّ للمسلم أن يصلي من الليل ما شاء تطوّعاً مطلقاً، ثمّ يوتر في آخر الصّلاة، وذلك على إحدى الكيفيّات المشروعة في الوتر، وذلك إمّا بواحدة، أو بثلاث متصلة، أو منفصلة، أو بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة، وأمّا ما قبل صلاة الوتر فهو من قيام الليل، وبالتالي فإنّه ينوي به قيام الليل. (3)
الما هى اسباب المعينة على قيام الليل
إنّ من الما هى اسباب المعينة للمسلم على قيام الليل، ما يلي: (4)
- أن يستغني المسلم عن النّوم ويستفيد من وقت آخر الليل، وقد روى البخاري ومسلم عن أبي برزة ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كان يكره النّوم قبل العشاء، وكان يكره الحديث بعدها.
- أن يجاهد المسلم نفسه، ويحملها على الاستيقاظ، وذلك من خلال الذّكر، والوضوء، وابتداء الصّلاة، وذلك حتى يحلّ عقد الشّيطان، وقد جاء في حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" الرّجل من أمّتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقد، فإذا وضّأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضّأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضّأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الله عزّ وجل للذين من وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه، ويسألني، ما سألني عبدي فهو له "، رواه أحمد وابن حبان.
- أن يجتنب المسلم الذّنوب والمعاصي، ففي حال رغب المسلم في أن يكون ممّن ينالون شرف مناجاة الله تعالى والأنس بذكره في ظلم الليل، فعليه أن يحذر من المعاصي، والذّنوب، فإنّه لا يوفق إلى قيام الليل من تلطخ بالمعاصي، قال رجل لإبراهيم بن أدهم:" إنّي لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواءً؟ فقال: لا تعصه بالنّهار، وهو يقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشّرف، والعاصي لا يستحقّ ذلك الشّرف "، وقال رجل للحسن البصري:" يا أبا سعيد: إني أبيت معافى، وأحبّ طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيّدتك "، وقال رحمه الله:" إنّ العبد ليذنب الذّنب فيحرم به قيام الليل، وصيام النّهار ".
- أن ينام المسلم على جانبه الأيمن، وقد كان النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يرشد أمّته إلى ذلك، كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثمّ ليضطجع على شقّه الأيمن "، متفق عليه.
- أن لا يأكل المسلم كثيراً في الليل، وأن لا يؤخر وجبته كثيراً، بل أن تكون قبل النّوم بساعتين على الأقل، قال سفيان الثّوري:" عليكم بقلة الأكل، تملكوا قيام الليل "، ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً فقال:" ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة ".
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 148017/ أحاديث نبوية في فضل قيام الليل/ 25-1-2011/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 311/ حكم قيام الليل وفضله/ 6-11-2001/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 136341/ هل هناك فرق بين الوتر وقيام الليل / 5-6-2010/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(4) بتصرّف عن فتوى رقم 158493/ قيام الليل.. فضله ثمراته.. وما يعين عليه/ 13-6-2011/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net