الأم
أمر الله عز وجل ببر الوالدين وقرن طاعته وعبادته ببرهما وطاعتهما، كما قال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدبن إحساناً"، ومع هذا فقد خصّ الأم بشيء من الفضل لما تقاسيه، وما تجده الأم من تعب الولادة، والوضع، والتربية والتنشئة بعد ذلك.
فضل الأم
قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا"، وحين سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قيل: ثم من؟ قال: "أمك"، قيل ثم من؟ قال "أمك" قيل ثم من؟ قال:"أبوك"، رواه البخاري.
ولقد كان حرص الإسلام عليها لما لها من فضل عظيم على أبنائها، وما تعدّى من إكرام لها حدّ أن يوصي بإكرام كل من له علاقة بها من أخوال وخالات والأعمام والعمات، وما لها من حق الحضانة في حال حدث فراق بينها وبين زوجها، وفي هذا الفضل تشترك الأم المسلمة والمشركة على السواء، ولها حقّ البر طالما لم تنهَه عن معروف أو تحثه على معصية وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وهنا كان الإسلام أشد ما يكون في حرصه وحثه على الزواج في اختيار المرأة صاحبة الدين والخلق، لما لها من فضل عظيم في تربية الأبناء وفق ما يحب الله فتغرس بهم الفضائل، وتعودهم على الطاعة، وتحثهم على كل خير وتنهاهم وتبعدهم عن كل شر.
أشكال البرّ بالأم
يأخذ البر بالأم أشكالاً متعددة منها:
- الإحسان إليها وإكرامها وتوقيرها.
- خفض الجناح، ولين الجانب لها.
- التماس رضاها في كل شيء.
- حتى أن الجهاد لا يجوز إلا بإذنها.
- النفقة عليها والقيام على حاجاتها.
- الدعاء والاستغفار لها في حياتها وبعد موتها.
- قضاء الصيام وأداء الحج والعمرة عنها.
- إكرام كل من له علاقة بها من أصدقاء كلن أم أرحام.
- لا يجزي عن المرء ما فعل، ولا يقابله ذلك لو بألم بسيط من آلام المخاض والوضع.
الأم صانعة الرجال
وهنا يتجلى لنا بوضوح دور هذه العظيمة التي لولاها ما كانت صنعت الرجال، فهي وحدها من تقوم على أبنائها وتربيتهم وغرس الخصال الحميدة الفضيلة فيهم، وحثهم على كل خير ونهيهم عن كل شر، ولقد رأينا نماذج مشرفة للمرأة ودورها العظيم في الإسلام، نذكر منها الخنساء ودورها العظيم في معركة القادسية، حيث قامت بتجهيز أبنائها وإعدادهم للمعركة.
ولم تكتفِ بذلك بل إنها أخذت تحدثهم عن الجنة وتشوقهم إليها، بل تحضّهم وترغّبهم في الشهادة في سبيل الله لما للشهيد من كرامات لا يظفر بها أحد سواه، ثم ودعتهم بقلب المؤمنة الصابرة المحتسبة فانطلقوا إلى الميدان يبرق في محياهم شوق الجنة، فقاتلوا وأحسنوا البلاء حتى قتلوا جميعهم، حتى إذا ما جاءها خبرهم شكرت واسترجعت ما سخطت، بل قالت: "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وإني لأرجو الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته"، ويقول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق