نحيا في حياتنا هذه بما يُسمى بآخر الزمان، وهذا مؤكدٌ دينيًا وعلميًا أننا نعيش آخر دورة حياتية لهذا الكون، ومع اقتراب نهاية العالم تكون هناك علامات و دلائل أنه في آخر الزمان يظهر أُناس غير المعتاد عليهم في السنين السابقة،فيما مضى يُرى الشيخ ويكون شيخًا شكلًا وجوهرًا، ترى كل طبقات التباين الديني والمجتمعي ظاهرها وباطنها واحد مهما ساءت أو أحسنت، وإنه لأمرٌ مريح في التعامل بكل الأحوال، لكن إن اختلف الظاهر عن الباطن فهذا شيء خطيرٌ جدًا، وإن تحدّث الظاهر باسم الدين وكان الباطن شيء آخر فهذا هو الآخطر على الإطلاق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"سيأتي على الناس زمان سنوات خداعات: يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل يا رسول الله وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه ينطق في أمر العامة"
ونحن في حياتنا هذه شهدنا هذه السنوات الخداعات التي فيها الكثير من فساد الأخلاق، والكثير من الخروقات التي من الوهلة الأولى تجعل الشخص يقع في فخ الخطأ والخيانة والحياد عن الدين، فإما أن يفيق ليعرف الصواب، أو أن ينجر وراء هذه المنكرات والأكاذيب والخدع التي يقوم بها أعوان الشيطان من الإنس، فالشيطان يموّه للمسلم المعصية بكثير من الطرق، فإذا لم يقتنع المسلم بالمعصية بشكلها الأساسي، جاءه إبليس ولبّس له المعصية في ثوبٍ جميل يدخل إليه منها ليقع فيها على أنها شيءٌ حسنٌ طاهر حتى إذا وقع وانتهى أمره أدرك أن تعرف ما هو فيه تعرف ما هو إلا مكيدة من مكائد الشيطان، وقد وقع في فخاخه.
في كتاب للإمام الجوزي عن تلبيس إبليس يذكر الكثير من المواقف والاعمال التي يقوم بها الناس وهم مخدوعون بما يروّج لهم من أعداء الاسلام سواءً بأيديهم أو أيدي المسلمين والإسلام منهم براء، فيظهر الحجاب للفتاة غير الحجاب، وتظهر الفواحش بدعوى التقدم والحضارة، وتظهر الرشاوي بطريقةٍ يُوهم فيها الإنسان على أنها طريق صوابٍ وحلال ، لمن غفى قلبه لحظة يقع في بئرٍ عميق من المنكرات .
هذه هي السنوات الخداعات التي إذا قال الصادق كلمته لا يصدقه أحد، بل ويصدّق الكاذب بدلًا منه، وتزيّف الأدلة للكاذب ليبدو كأنه صادق ونحن نشهد في الإعلام من الكذبِ المغلّف بغلاف الصدق، نشهد منه الكثير الكثير ويقع فيه فخاخِ الكذابين الكثير من الناس التي لا تحكم عقلها، ولا تراجع ما تسمعه أو تراه، وتصدق كل شيء بسذاجةٍ نهى عنها الإسلام في الأصل.
وفي هذه السنواتِ أيضًا تتضارب الأحوال بين الخائن والأمين، فالذي يحمي حمى الدار والأرض والعرض توجه له الشبهات بطريقةٍ أو بأخرى؛ بينما الذي ينتهك العرض والأرض والدم يكون هو الشريف وهو الأمين بطريقةٍ لا يعلمها المستغفلون. وأخيرًا ينطق الرويبضة، إنسان تافه لا قيمة له سوء بعض كلماتٍ يحفظها، يستند إلى ركنِ باطلٍ إذا تحدّث، ويصدقه الناس ، فهذا الزمن هو زمن الرويبضة التافهون الذي يوقعون الناس في شباك الشيطان التي ينسجونها عوضًا عنه.
والمخرج من كل هذه الآفات التي تعصف بالأمة هو التمسك القوي بالدين ، والاحتكام للعقل بكل شيء، فزمن الرويبضة هو ايضا زمن القابض على دينه كالقابض على الجمر.