الإنسانيّة وأنبلها وأحلى ألحان الوجود وأرفعها هي النّهر الدّافق والعطاء المستمر ، فبالحبّ يتراحم الخلائق ويجتمع الأزواج ، فالحبّ معنى لكل المشاعر الإنسانيّة السّامية الرّفيعة التي يحملها الإنسان في قلبه إتجاه من حوله ويترجم المحبّ محبته أفعالاً وأقوالاً لمن يحبه ، وإن للحبّ أنواعاً ودرجاتٍ وأعلاها مرتبةً حبّ العبد لخالقه سبحانه وهذا هو الحبّ الخالد الباقي فالعبد حين يدرك خالقه تمام الإدراك ويستشعر معيّة الرّحمن له ورحمته يرى كأنه ملك العالم بيده فيطمئن قلبه وتسكن روحه وتسمو نفسه لتعانق السّحاب وكلما زاد إقتراباً من ربّه سبحانه رقّ قلبه ونزلت دمعته فعشق الإختلاء مع الله سبحانه في ساعات الدّجى بعيداً عن أعين الورى يستأنس بمحبوبه أيّما استئناس ، قد شغلته محبة الرّحمن عن السّؤال والحاجة فأعطاه الله احسن وأفضل ما يعطي السّائلين .
و بعد محبة الرّحمن جلّ وعلا تأتي محبة الخلق ، فالإنسان يحبّ أمّه وهي التي ولدته وحملته في بطنها تسعة أشهر فما كلّت وما اشتكت وعند مولده ذاقت آلام المخاض وتحملّت ثم إذا شبّ وبلغ أشدّه وقفت معه في العسر واليسر وسهرت معه اللّيالي تشاركه أفراحه وآلامه وأمنياته فهي المستحقّة بجدارةٍ لنيل المكانة الأولى في قلب الإنسان في المحبّة والمودّة فهي الحبّ الباقي الصّافي النّقيّ من الشوائب الدنيويّة والمطامع الآنيّة .
ويأتي بعد ذلك حبّ الذّكر للإنثى ولا تكتمل تلك المحبّة ولا تزهو صورتها إلاّ بسلوك الطّريق الصّحيح لتتويج تلك العلاقة بتاج العفّة والطّهارة ورضا الرّحمن ، وإن لهذا النّوع من الحبّ لذةً لا تضاهى ونشوةً في القلب عند رؤية المحبوب تتسامى فتملأ الرّوح عبيراً فيصبح القلب لحبيبه أسيراً ، وفي ما روي عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا النّوع من الحبّ لهو منهجٌ كافٍ ودواءٌ شافٍ فقد حثّ عليه الصّلاة والسّلام المتحابين على النّكاح وكذلك حرص النّبي الرّحيم طبّ القلوب ودواؤها على قلوب الخلق من أن تتأثّر بفقدان الحبيب أو إبتعاده فأرشد المحبين الى عدم المغالاة في المحبّة فالقلوب بيد الرّحمن يقلّبها كيفما يشاء .