التعايش الإسلامي مع الأقليات
في ظلّ الظّروف الصّعبة التي تعيشها الأمّة العربيّة والإسلاميّة حيث تكالبت الأمم على نهب مصالحها وثرواتها، وفي ظلّ الاحتقان السّياسي والطّائفي الذي تعيشه المجتمعات العربيّة والإسلاميّة حيث برزت مزاعم اضطهاد الأقليّات المسيحيّة واليهوديّة وغيرها في الدّول العربيّة، تطفو على السّطح قضيّة في غاية الأهميّة في حياة المسلم وعقيدته وتعاملاته مع غيره من المسلمين، فنحن ندرك تماماً أنّ المسلم هو أخٌ للمسلم، وأنّهما باجتماعهما يُعدّان كالجسد الواحد والبنيان المرصوص، ولكن تعرف ما هو موقف المسلم تجاه غيره من المسلمين الذين يتعايش معهم على أرض الإسلام؟ وتعرف ما هو موقفه تجاه غير المسلمين الذين يعيشون خارج بلاد الإسلام وهل يجوز التّعامل معهم؟
تعامل المسلم مع جميع الناس
خلق الله سبحانه وتعالى الناس شعوبًا وقبائل متنوّعة ومختلفة في العرق والجنس واللّغة واللّون حتّى تتعارف فيما بينها، وتحصل بينها الألفة والتّعاون في سبيل تعمير الأرض وإصلاحها، وهذا ما يفترض أن تقوم عليه العلاقات الإنسانيّة؛ فالأصل فيها أنّ الإنسان يتعامل مع من حوله مهما اختلف معه في الدّين والعقيدة، ولكن بعد بعثة النّبي عليه الصّلاة والسّلام ومجيئه برسالة الإيمان والتّوحيد لم يقبل الله تعالى من النّاس دينًا سوى الإسلام، فكلّ إنسانٍ بَلَغته رسالة الإسلام عليه أن يتّبعها حتّى تتحقّق له السّعادة في الدّارين، ومن هنا جاءت التّفرقة بين مسلم وغير مسلم من ناحية الهداية والإيمان وبيان الحقوق والواجبات؛ فالمسلم في الدّولة الإسلاميّة هو مُواطن له كامل الحقوق والواجبات، وكذلك النّصراني واليهودي، وإن كان يطلق عليهما في دولة الإسلام أهل الذّمة، وتجري عليهما بعض الأحكام والشّروط ومنها دفع الجزية.
مظاهر التعامل الإسلامي مع غير المسلمين
إنّ المسلم مأمور بحسن التّعامل مع غيره من النّاس ممّن لا يدينون دين الحقّ كالنّصارى واليهود طالما عاشوا مسالمين لا يعتدون على المسلمين، وقد تعامل النّبي عليه الصّلاة والسّلام مع اليهود والنّصارى؛ حتّى أنّه توفّي ودرعه كانت مرهونة عند يهودي مقابل طعام وشعير، قال تعالى ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)؛ فالإحسان في التّعامل مع غير المسلمين مطلوب، بينما يُحرّم ديننا التّعامل الحسن مع غير المسلمين الذين يحاربون الإسلام وأهله، وفي الحديث الشّريف بيان حرمة دم الذّميّ؛ حيث قال عليه الصّلاة والسّلام: (من قتل نفسًا معاهدًا لم يرَ رائحة الجنّة).