في هذا الزمان وهذا العصر أصبح الناس يلهثون وراء عرض الدنيا من مال، وبنين، وسلطة، وجاه معتقدين أن الغني هو من يمتلك الأموال، والرجال، والسلطة، والجاه ونسوا أن ذلك كله رزق من عند الله يهبه لمن يشاء وينزعه ممن يشاء، ويوزع نعمه على البشر بعدل وحكمة، كما أنهم نسوا أن هذه الأشياء ليست ملك الإنسان وإنما أمانات يوزعها الله على البشر ليسألهم عنها فهم رعاة لهذه الأمانات، فكل إنسان سيسأل يوم القيامة عن عمره في ما أفناه، وعن ماله فيما أنفقه، وكما سيسأل عن رعيته هل اتقى الله في رعايتهم وتربيتهم وحكمهم، فكلنا مسؤول عما يهبه الله من عرض الدنيا.
يتضح من العرض السابق أن الغنى يتحقق بطهارة النفس وطيبها، فالنفس التقية الطاهرة هي الغنية، فقد وعد الله من يتقيه بأن يرزقه من حيث لا يحتسب ويكون له سنداً في تصرفه في هذا الرزق. والتقوى هنا إخلاص النفس والجسد في كل أمر من أمور الحياة مع الله ومع النفس والآخرين، فمن يكون صادقاً في إيمانه بالله وواثقاً بوعد الله لا يخاف الفقر، ولا العوز، ولا الحاجة للناس ويعلم في يقينه أن الله سيغنيه عن حاجة الناس طالتعرف ما هو مع الله يثق به ويخلص له في الظاهر والباطن، في عبادته وعمله ومعاملاته مع الناس، فيقين وعقيدة المؤمن دائماً أن الله هو حسبه وسنده وناصره ومؤيده، فهل للمؤمن قوة وغنى أكثر وأقوى مما عند الله ؟
وهنا يجب أن نوجه سؤال جوهري لكل من يالبحث عن الغنى بمفهوم وتعريف ومعنى الغنى بالمال، والجاه، والسلطة، لماذا تريد أن تكون غنياً؟ ونطلب منهم أن يجعلوا هذا السؤال دائماً نصب أعينهم، ويستبدلون سؤالهم كيف أكون غنياً؟ بهذا السؤال: لماذا أريد أن أكون غنياً؟، وعند محاولتهم الإجابة عن هذا السؤال سيجدون أنهم سيصلون لحقيقة واحدة وهو أن بالغنى سوف يستغنون عن الآخرين ولا يضطرون لسؤال الآخرين، لتوفير قوت يومهم، وقوت عيالهم، وملبسهم، ومشربهم، واحتياجاتهم، ويستطيعون أن يتمتعوا بالحياة بلا تعب ولا خوف. ويكون الرد عليهم فما بالك لو كان من يمدك بالمال، والبنين، والسلطة، والجاه هو ملك الملوك، الذي يملك كل شيء على الأرض وهو الرازق والواهب، فهل لك أن تخاف من جوع، أو عوز، أو حاجة، أو تخاف سلطان، أو ظلم حاكم، فرب العرش والكون هو من سيسندك ويؤيدك، ولتنال هذا السند والتأييد ما عليك إلا أن تؤمن به وتخلص بإيمانك له، وتعبده وتخلص بعبادتك، وتدعوه وتثق باستجابته فهو الكريم والرحمن الرحيم، فإذا أديت عباداتك له بإخلاص وأحسنت في عملك وفهمت دينك جيداً حيث الدين المعاملة الطيبة مع الآخرين، فثق بأن الله سيغنيك عن كل البشر ويرزقك رزقاً واسعاً مباركاً يربو ولا ينقص، فبتأديتك للزكاة طهارة لمالك، وزيادة فيها، وهذا وعد من الله، وبحكمك العادل بين الناس ومعاملتك الطيبة النقية، يحبب الله فيك عباده ويؤيدك بحبهم وتملك السلطة، وبهذا يتحقق الغنى الحقيقي بلا خوف ولا تعب وبراحة وطمأنيينة للنفس.