يتمنّى كثيرٌ من النّاس الوصول إلى درجةٍ عاليةٍ من الصّبر في حياتهم وتعاملاتهم مع النّاس ، وإنّ تحقيق ذلك يتأتّى بطرقٍ مختلفةٍ ووسائل متنوّعة ، وقبل أن نتعرّف على هذه الوسائل والطّرق يجب أن نتعرّف على معنى خلق الصّبر ومزيّته ، فالصّبر هو قوّة التّحمل التي يحملها الإنسان في قلبه ونفسه ، وهي الوقود الذي يمكّن الإنسان من شحن نفسه وجعلها قويّةً قادرةً على تحمّل أذى النّاس والتّعرض للمواقف الصّعبة وتلقّي الأخبار التي تستدعي التّحمل بكلّ قوّةٍ وبدون أن تكون للإنسان ردّة فعلٍ تغضب الله تعالى والنّاس وتسيء لصورة الفرد ، وللصّبر بلا شكّ مزايا كثيرةٍ تحمل صاحبها على أن يكون قويّ الشّخصيّة ، كما أنّ الصّبر يعلم الإنسان صفات الحلم والأناة والبعد عن الغضب الذي يؤدّي إلى ارتكاب ما لايحمد عقباه من القول والفعل ، وحتى يكون الإنسان صبوراً ننصحه بمايلي :
أن يعوّد نفسه ويختبرها في الصّبر على المواقف المختلفة في الحياة ، وأن يمرّنها على ذلك ، فكما يعلم بأنّ الصّبر إنّما يكون عند الصّدمة الأولى بمعنى أن إمتحان صبر الإنسان ومدى تحمّله يكون عند سماع خبرٍ معينٍ يسوؤه أو رؤية شيءٍ يكرهه ، فالإنسان على سبيل المثال عندما يسمع بخبر وفاة قريبٍ له عزيز على قلبه فإنّه يحكم على مدى صبره عند تلقّي الخبر ، فينظر حاله وكيف يتصرف ، فإن حمد الله تعالى واسترجع كان من الصّابرين ، وإن سخط وجزع وفعل أفعال الجاهليّة من نياحةٍ وعويلٍ ولطمٍ وغيرها لم يكن بلا أدنى شكّ من الصّابرين الذي وعدهم الله تعالى بالجزاء الحسن في الدّنيا والآخرة .
أن يتخيل الإنسان مواقف معيّنةٍ يتمثّلها واقعاً في حياته ، فيتمثّل الإنسان وقوفه في موقف يستدعي الصّبر والتّحمل ، فيختبر نفسه ويمرّنها على ذلك ، ولا شكّ بأنّ هذا يشحذ النّفس ويجعلها مستعدةً لكلّ مواقف الحياة .
أن يتأسّى الإنسان بسير الأنبياء والصّالحين الذين صبروا على الأذى فتحمّلوا ، فقد كان فيمن سبق يؤتى بأحد المؤمنين وينشر بالمناشير ولا يصدّه ذلك عن دينه ، وقد كان الأنبياء مثل يحيى وزكريا عليه السّلام مثالاً في الصّبر على أذى قومهم ، فقد قتل سيّدنا يحيى وهو ثابتٌ على دعوته ورسالته ، وكذلك حال كثيرٍ من الأنبياء .
وأخيراً نقول أنّ الصّيام هو من مظاهر الصّبر في الحياة ، فالمسلم حين يصوم فإنّما يتعلّم الصّبر والتّحمل ، جعلنا الله جميعاً من الصّابرين .
