سورة يس
هي من السور المكية في القرآن الكريم وترتيبها السادس والثلاثون، وتتألف هذه السورة من ثلاث وثمانين آية تناولت مواضيع مختلفة كالبعث والنشور والأدلة على وحدانية الله تعالى كما في السور المكية، وقد وقف العديد من العلماء على تفسير آيات هذه السورة العظيمة فحتى قال بعض العلماء كما نقل عنهم ابن كثير في تفسير القرآن العظيم " إن من خصائص هذه السورة أنها لا تقرأ عند أمر عسير إلا يسره الله تعالى".
أما ما ذكر من العديد من الأحاديث عن فضل هذه السورة فهي في غالبها موضوعة أو ضعيفة، ولكن هذا لا ينكر فضلها كسائر فضل القرآن الكريم، ولكن من الأحاديث التي رواها الإمام أحمد والنسائي عن فضل هذه السورة هي قوله صلى الله عليه وسلم:" البقرة سنام القرآن وذروته ، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا، واستخرجت ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) من تحت العرش فوصلت بها -أو : فوصلت بسورة البقرة- ويس قلب القرآن، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة، إلا غفر له، واقرؤوها على موتاكم"
تفسير يس
تبدأ هذه السورة بكلمة "يس"، وهي التي فسرها العلماء بعدد من التفاسير المختلفة؛ فذهب أغلب العلماء إلى أن هذا اسم من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، وذهب آخرون إلى أن هذا من إعجاز القرآن الكريم بالأحرف كباقي السور التي تبدأ بالحروف، والبعض أشاروا إلى أنه اسم من أسماء الله عز وجل، وآخرون قالوا إنه من علم الغيب، ولكن الراجح أنه اسم من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، والدليل على هذا قوله تعالى في الآيات التي تليها:" يس (1) والقرآن الحكيم (2) إنك لمن المرسلين (3) على صراط مستقيم (4)" فأقسم الله تعالى بالقرآن الكريم مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من رسل الله تعالى السائرين على صراطه المستقيم.
وأما عن معنى الحكيم فلها العديد من المعاني، فقال البعض إن معناها أن القرآن الكريم محكم في معانيه ونظمه وكل ما فيه، وآخرون إلى أنه ينطق بالحكمة ولذلك فهو حكيم، والمعنى الآخر أنه كتاب حكيم في مخاطبة الإنسان فيخاطب كل حواسه وجوارحه وعقله وقلبه في الموضع المناسب، وقد ربط الله تعالى نبوته صلى الله عليه وسلم بالقرآن لأنه الدليل على نبوته كما كانت عصا موسى دليلا على نبوته.
ومن ثم يبين الله تعالى في الآيات التي بعدها أن هذا الكتاب هو من عنده تعالى وأنه أنزله عليه صلى الله عليه وسلم لينذر به الناس ويخرجهم من الجاهلية التي كان فيها آباؤهم وأجدادهم، ومن بعدها يصف الله تعالى حال الكافرين في إعراضهم عن كلام الله تعالى وعن دعوة رسوله وأنهم لا يسمعون لما ينذرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الدعوة لمن يخشى الله تعالى ويعقل لدعوته صلى الله عليه وسلم وأن لهؤلاء المغفرة من الله تعالى.
القصص المذكورة في هذه السورة
وبعد ذلك تأتي الآيات لتضرب قصة من قصص القرآن الكريم، وهذه القصة تبين ما سبقها من الآيات عن الدعوة إلى الله تعالى وإعراض الكافرين، فهذه القصة عن قرية مجهولة الزمان والمكان، وقد أرسل الله تعالى إلى هذه القرية رسولين كذبهما أهل تلك القرية حال جميع الكافرين ممن يتبعون شهواتهم فتكون كالسد الذي يمنعهم عن اتباع الهدى، فعزز الله تعالى بعد ذلك المرسلين بثالث يدعوا أهل القرية معهم إلى الله تعالى، فالله تعالى رحيم بعباده، ويريد لهم الخير، وهذا حاله تعالى مع الناس جميعا، فيبعث لهم الأصدقاء والناس ليدعوهم والمصائب لتذكرهم به تعالى.
ولكن أهل تلك القرية احتجوا بحجة جميع من عارضوا الأنبياء، وهو أن هؤلاء الأنبياء بشر مثلهم ويسبوهم بعد ذلك ويهددوهم بالرجم والقتل بعد ذلك، فهذا هو ديدن المشركين والمعرضين عنه تعالى منذ خلق آدم وحتى قيام الساعة، ومن ثم يذكر الله تعالى قصة ذلك الشخص الذي آمن بدعوته تعالى ولكنه لم يخف ويبقى قاعدا بل تحرك وعاون في الدعوة إلى الله تعالى، وهو من كذبوه أيضا فأهلكهم الله تعالى بالصيحة.
وبعد ذلك يضرب الله تعالى الآيات والأمثلة للإنسان لعله يعقل؛ فالمثل الأول في طريقة إحيائه تعالى للنبات وقدرته على إحياء البشر كذلك، وضرب مثلا في الشمس والقمر والسفن، وطريقة إعراض الناس عن آيات الله جميعها، وبعدها يتناول الله تعالى موضوع البعث والنشور وطريقة بعث الناس بعد النفخ في الصور يوم القيامة، وما للمؤمنين من نعيم في الجنة لإميانهم بالله تعالى، وما للكافرين من عذاب في نار جهنم بعد إعراضهم واتباعهم الشيطان بعد كل ما أتاهم من البينات والذكر.
وبعدها يبين الله تعالى أن النبي لا يعلم الشعر ولا ينبغي له ذلك أيضا؛ فالشعر هنا ليس مقصودا من ناحية النظم والوزن فقط، بل مما فيه أيضا من الكذب والنفاق والمفاخرة والكبر الذي لا ينبغي أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول عليه أن يكون متواضعا صادقا أمينا في دعوته إلى الله تعالى وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم.، ويضرب الله بعدها مثلا يدل على أنه هو الخالق المبدع في خلقه، وهو الأنعام التي فيها من المعجزات ما لا يستطيع أي بشر أن يأتي بمثله.
أما ختام هذه السورة فقد أنزلها الله تعالى، بعدما أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يديه عظمة بالية ففتها وقال: يا محمد أيحيي الله هذا بعدما أرى، فنزلت هذه الآيات لتذكر هذا بأن الله تعالى هو الذي خلقه أول مرة والتي هي أصعب من البعث لو أنه تفكر في ذلك، وأنه تعالى يخلق ما يريد بأن يقول له كن فيكون.