نشأت في إحدى مدن العراق فتاة اسمها رابعة، فقدت أبويها في سن مبكرة فاضطرت إلى مواجهة صعوبات الحياة وقسوتها، فتنقلت من بلد إلى بلد مع أخواتها همها تأمين الحياة الكريمة لهم، وتحملت في سبيل ذلك المصاعب وتخطت العقبات، فكانت نعم الفتاه التي تتحمل مسؤولية الحياة رغم يتمها وأنوثتها في مجتمع غلب عليه الطابع الذكوري، وفي رحلتها للالبحث عن لقمة العيش استغلها أناس ويقال أنها استرقت من بعض الناس في العراق ومن ثم باعوها بثمن بخس إلى رجل سامها سوء العذاب وأجبرها على عمل أشياء لا ترضي الله سبحانه من رقص وغناء، على الرغم من أن تنشئتها كانت على القرآن وآداب الإسلام وأخلاقه، إلا أن وضعها كيتيمة تحتاج أن تصرف على أخوتها جعلها تمر بمواقف صعبة وأوقات عصيبة .
و شاءت الأقدار لرابعة العدوية أن تلتقي صدفة بشيخ ذكرها بالله سبحانه، وقرأ عليها آيات الرحمن فتحرك قلب رابعة وتأثر بالذكر، فاضت عينا رابعة وندمت على ما فات منها من معصية الرحمن جل وعلا، فاعتزلت الناس والغناء وانكبت على قراءة القرآن وعبادة الله في محرابها، ضارعة إلى الله مبتهلة مستغفرة بالأسحار، وقد كانت خشية رابعة من الله شديدة حتى اشتهرت وذهبت مثلا في الزهد والورع والتصوف، وكان من أشعارها التي خلدت قولها. و ليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب و ليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
و إن مذهب أهل السنة والجماعة قائم على الوسطية في كل شيء، حتى في عبادة الله سبحانه كان أحب الأعمال إليه أدومها وإن قلت، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفق بالنفس والترويح عنها بما إباحه الله عز وجل، وقد نهى النبي الكريم عددا من الصحابة كانوا ينوون التفرغ للعبادة والانقطاع لها عن فعل ذلك، معبرا عن حاله مع الله فهو يصوم ويفطر ويقوم ويرقد ويتزوج النساء فمن رغب عن سنته فليس منه صلى الله عليه وسلم ، فالرفق مطلوب في كل شيء فهو لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه، فالمسلم الحكيم يستطيع أن يوازن في حياته بين العبادة والعمل والتمتع بالمباحات فيعطي كل حق حقه .