القرآن الكريم
رحمة الله بخلقه كبيرة، فخلقهم ليعبدوه وحده، ثم ليظفروا بجنة عرضها السماوات والأرض، وهداهم للطريق القويم، وأرشدهم إليه بالفطرة، ومن ثم بإرسال رسله، وأنزل الكتب معهم، لإقامة الحجة عليهم، حيث اختار الله تعالى من هم أجدر الناس لحمل هذه الرسالة العظيمة، وأكثرهم صبرا، وتحملا للأذى، فهم سيلقون التكذيب والاستهزاء والسخرية، وأيدهم بآيات عظام ومعجزات جسام، لا يقدر بشر على الإتيان بمثلها، وكل معجزة تحدت أهل العصر الذي بعث فيه كل نبي من الأنبياء، ففي زمن سيدنا موسى عليه السلام، انتشر السحروذهول الناس به، وتعظيم السحرة واتباعهم، فجاءت معجزته من جنس ما عظموه، بل كانت برهان أقوى فالسحر تخيل، وهي حقيقة أبطلت كيد السحرة، ودحضت كيدهم ومكرهم، وفي زمن سيدنا عيسى عليه السلام، برز علم الطب، فجاءت معجزته بأعظم من ذلك، بل ويعجز الطب وأمهر الأطباء عن الإتيان بمثله، فبقدرة الله تعالى جعله يحيي الموتى، ويشفي المرضى، والأبرص والأكمه، وهما مرضان عجز الطب آنذاك عن شفائهما، وأما في زمن سيد المرسلين وخاتم النبيين، فجاءت المعجزات الكثيرة، والبراهين الساطعة، ولعل أبرز وأكبر ما جاء به صلى الله عليه وسلم القرآن العظيم.
معجزة القرآن الكريم
كانت قريش زمن الشرك من أهل الفصاحة والبلاغة، وبرعت في قول الشعر والنثر، وجعلوا لذلك الأسواق كسوق عكاظ، يتبارزون فيه ويظهرون براعتهم، فلما جاءهم الرسول الكريم، كفروا به وبرسالته، وكذبوه وألحقوا به الأذى والضرر، ومنعوا الناس من تصديقه، وقالوا أنه كاهن وساحر ومجنون، وطلبوا منه الإتيان بآية تدل على نبوته ليصدقوه، فجاءتهم من جنس ما تفوقوا به، بل وفاقته بالإعجاز اللغوي، والتأليف والتركيب والصياغة، والإخبار والفصاحة، وعجزوا عن تقليده، أو الإتيان بآية واحدة من مثله.
أول ما نزل من القرآن الكريم
نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم متفرقا، طيلة مدة بعثته، وعلى مدار ثلاثة وعشرين عاما، ولم ينزل دفعة واحدة، وكل آية كانت تنزل بحكمة بالغة، ولضرورة تقتضيها، فمنها لتثبيت قلب النبي، ومنها لبيان حكم، ولتشريع أمر، ولإيجاد حل، ولبيان القصص والعبر، وأول ما نزل من آي القرآن الكريم، الأوائل من سورة العلق، حيث كان رسول الله في غار حراء يخلو بنفسه، يتعبد الله عزوجل، ويتفكر في خلق الكون، فجاءه ملك الوحي جبريل عليه السلام، وقال له اقرأ، فقال ما أنا بقارئ، فأعادها عليه ثلاث مرات، ثم قال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم)، وهي السورة المكية، ذات الآيات التسعة عشر، حيث بينت هذه الآيات وحدانية الله عزوجل وربوبيته، وطريقة خلقه للإنسان، وفضل القراءة والعلم والتعلم.