لما فرض الله شعيرة الحج لما فيها من اجر وثواب عظيمين، لبى النبي صلى الله عليه وسلم النداء في السنة العاشرة للهجرة، تحديداً في الخامس من شهر ذي القعدة، ممتثلاً لأحكام الله ومؤدياً شعيرة افترضها الله على كركن من أركان الإسلام، وفي تلك السنة أعلن النبي محمد صلى الله عليه وسلم إصراره وعزمه على زيارة المسجد الحرام، فخرج معه ألفاً من أهل المدينة رجالاً ونساءً، وأستخلف على المدينة أبا دجانة الانصاري، ثم خرج من المدينة ملبياً "لبيك اللم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، وفور وصوله للبيت الحرام، طاف به سبعة أشواط، ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم، ثم ورد ماء زمزم، فشرب منها، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة توجه إلى منى فمكث هناك، وفي اليوم الذي يليه تحديداً التاسع من ذي الحجة، توجه إلى عرفة، وصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم، ومن ثم خطب خطبته المعروفة باسم "خطبة الوداع"، وبعد غروب شمس يوم عرفة نزل إلى مزدلفة، ثم صلى صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير، وكان النبي ميسراً على الصحابة بكافة الإعمال من رمي الجمرات والنحر والحلق، وكذلك الأمر بنسبة لطواف الإفاضة والتحلل، وبعد أن أتم مناسك الحج عاد إلى المدينة المنورة.
وتُعرف حجة الوداع على أنّها أول وآخر حجة قام بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خطب فيها الخطبة المعروفة باسم خطبة الوداع، وقد تضمنت هذه الخطبة سلسلة من التعاليم والأوامر والنواهي ذات المبادئ الأخلاقية، وقد سُميت بهذا الاسم، لان النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها، مشدداً عليهم بالتزام بأمور دينهم، وأوصاهم بنشر الرسالة، والعمل بمحكم الدين.
وقد تضمنت حجة الوداع العديد من الأوامر والنواهي كحرمة النفس وحفظها من القتل والإفساد، وهي احدى مقاصد الشريعة الإسلامية، وما دعت إليه الأديان السماوية السابقة، التي أوصت بوجوب صيانتها وحفظها من الهلاك، فهي وديعة لله عز وجل، وحرمت الاعتداء عليه او قتله لاي سبب كان، وسنت تشريعات تعاقب كل من تعدى على النفس البشرية، وقد قرن الله الاعتداء على النفس البشرية بالفساد بالأرض، وانه من قتل نفساً، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم بينها وبين حرمة يوم عرفة، وحرمة الكعبة، وحرمة شهر ذي الحجة، وفي هذا الصدد، فقد أكد النبي ان حرمة النفس هو كتحريم للاستهتار بالنفس البشرية، واقل شاهد على ذلك، ما كثر في الآونة الأخيرة من قتل بدون ذنب او سبب، وهذا بحد ذاته جريمة، تستوجب غضب الله سبحانه وتعالى.
كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إلى حرمة الأموال، وإنها في سياق واحد كحرمة الأنفس تماماً، فقد أمرنا بأن نجتنب دفع أموالنا لولائك الذي يتصرفون بها بخلاف مقتضى الشريعة، وضرورة محافظة على مال الأولياء، واستخدام المال في وسائله المشروعة، ومن الأمور الأخرى التي تناولها النبي في خطبته حرمة الأعراض والتي لا تقل أهميتها عن حرمة النفس والمال.