إنّ من نواقص العقل البشريّ و عيوبه آفة النّسيان ، فكلّ إنسانٍ على وجه البسيطة و مهما بلغ من العلم و ذاكرة الحفظ التي تمكّنه من حفظ عشرات الدّروس ، إلا أنّه يبقى إنساناً ناقصاً مفتقراً إلى الكمال ، غير قادرٍ على احتواء جميع الأفكار التي تعتلج في عقله ، كما أنّه غير قادرٍ على حصر جميع ما يخطر بباله من الخواطر و الهواجس التي يرغب في لحظةٍ من اللحظات أن يدوّنها و يكتبها ليستطيع النّاس الاستفادة منها في حياتهم ، و قد بيّن النّبي صلّى الله عليه و سلّم أنّ الحكمة هي ضالّة المؤمن و هي ديدن سعيه و منتهى تفكير عقله ، و أنّ المسلم هو أحقّ النّاس بالحكمة بل هو أهلها و صاحبها لأنّه صاحب العقيدة السّليمة النّقيّة من الشّوائب ، و لا شكّ بأنّ الخواطر تختزل خبرات النّاس و تجاربهم و عصارة أفكارهم ، و بالتّالي فإنّها جزءٌ من الحكم التي يستفيد النّاس منها و يتعلّمون ، و قد ابتدع الإمام ابن الجوزي طريقةً في كيفيّة الاستفادة من الخواطر ، حيث قال في بداية كتابه أنّه تعرض له كثيرٌ من الأفكار و الخواطر ، و بسبب آفة النّسيان فإنّه ينسى كثيراً منها و تذهب مع الوقت و تندثر ، فقرّر الإمام ابن الجوزي أن يدوّن تلك الخواطر في كتابٍ أسماه صيد الخاطر ، حيث شبّه كتابة الخواطر بالصّيد ، و قد ورد عن النّبي صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال قيّدوا العلم بالكتاب ، فكتابة الأفكار و العلوم هي بلا شكٍ وسيلةٌ لحفظها من الضياع و النّسيان .
و إنّ لكتابة الخواطر طريقةً و أسلوباً ، حيث يجب أن تحتوي كلّ خاطرةٍ على موضوعٍ معين يركّز عليه كاتبها ، كما يجب على كاتب الخاطرة أن تكون كتابته سهلةً واضحةً غير مبهمة ليتمكّن من فهمها جميع النّاس عل اختلاف درجات فهمهم و علمهم ، كما يستحسن أن يكون هناك تناسقٌ بين مفردات الخاطرة ، و استخدام التّشبيهات المجازيّة و الصور البيانية هي من أساليب كتّاب الخواطر الحاذقين المتمرّسين الذي يستطيعون بإبداعات قلمهم الإبحار في عقول النّاس و سبر أغوارها بمهنيّةٍ و احترافٍ و دون تكلّفٍ .