قصة أهل الكهف هي من القصص العظيمة التي يجب على كل مسلم أن يعرفها، ويعرف القيمة الدينية المستخلصة منها، ولولا عِظم هذه القصة لما سُميّت سورة كاملة في القرآن الكريم باسمها، ولما جُعل لقراءة هذه السورة يوم الجمعة فضْلُ النور بين الجمعتين، فهي سورة عظيمة وقصتها جديرة بالاهتمام.
يُحكى في زمن من الأزمان أن ملكًا كان يحكم البلاد، وكان مشركًا بالله يعبد الأصنام، وكان مهيمنًا مسيطرًا بقوته على الرعيّة، واختلفت الروايات حول هؤلاء الشبان، فالبعض قال: أنّهم من أبناء العظماء وكانوا يرافقون الملك، وروايات أخرى قالت: أنّهم شبان من عامة الشعب.
والرواية الأولى تحكي أن الشبان -وقد اختلف في عددهم- كانوا برفقة الملك، حتى ذهب إلى صنم فعكف عليه ساجدًا، وسجد الشبان وراءه إلّا شاب لم يسجد، بعدها غادر الملك وغادر الشبّان إلى بيوتهم، لكن ظلّ موضوع عدم سجود الشاب حائرًا في عقول رفقائه، حتّى اتقفوا على أنّ يتحدثوا الليلة في هذا الموضوع، وما إن جاءوا إلى رفيقهم الذي رفض السجود للآلهة، حتّى سألوه، لماذا لم تسجد؟ فأجابهم: أتعلمون أنّ هذه الآلهة التي نسجد لها صمّاء لا تتكلم ولا تسمع ولا ترى؟ فكيف نسجد لها؟، فقالوا: إذن أنت تكفر بآلهتنا، قال: ولكنّي فكرت بالأمر فلم أجدها ذات نفع أو ضرر لي فلم أسجد لها، فكّر الشبان مليّا بالكلام الذي قاله رفيقهم ثم سألوه: إذن من هو الإله الذي يجب أن نعبده؟ قال: خالق السموات والأرض قوة خفية وقوية لا نراها هو الأجدر أن نعبده، فاقتنع الشبان وقرروا الإيمان بالله وبدأوا بالصلاة لله (لم تعرف الطريقة للصلاة التي صلوها ولكن توجّهت قلوبهم لله)، واستمروا على إيمانهم، هذا هو الهدى الذي وهبهم الله إياه، "إنّهم فتية ءامنوا بربهم وزدناهم هدى"، وهنا رسالة لكل من يقبل على الله تعالى مؤمنًا او تائبًا، فإنّ الله يقبل عليه بالهدى والعفو والغفران.
واستمروا بذلك على أن لا يكشف أمرهم، لأنّه إذا كُشف أنّهم مؤمنون بغير آلهة الملك فسيتم إعدامهم، وهم متيقنون أنّ هذا الدين الحق والطريق الصواب وثابتون على هذا الطريق، "وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا ربّ السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها، لقد قلنا إذا شططًا"، ولكن تشاء الأقدار أن يلتقي فريقا الحق والباطل، وفي يوم من الأيام بينما هم يتعبدون في منزل أحدهم، حتّى دخل عليهم أحد أتباع الملك فسألهم عمّا يفعلون، فأخبروه بالحقيقة ودعوه للإيمان، لكنّه رفض وأبلغ عنهم للملك، هُنا أصبحوا مستهدفين ومضطهدين في المدين؛ فاضطروا للاختفاء قليلًا فخرجوا هاربين حتى وجدوا كهفًا فالتجأوا إليه، وتبعهم الملك وجنوده ولكنّ رهبةً من المكان منعت الجنود من الاقتراب من الكهف، فأمرهم الملك بإغلاق الكهف بصخرة كي يموتوا داخله.
بعد ذلك ناموا، نومة أصحاب الكهف المعروفة استمرت لمدة ثلاثمائة عام، وقد سخّر الله الشمس بأن تتجاوز فتحة الصخرة بأشعتها حتى يبقوا نيامًا، فالذي يراهم كأنّهم مستيقظون نيامًا، وهكذا استمروا هذه الأعوام وتبدلت بها الأحوال والبلاد، وذهب الملك الطاغي وجاء بعده ملوك عدّة، فلمّا استيقظوا شعروا بأنّهم قد ناموا بضعة يوم أو يوم وشعروا بالجوع فأرسلوا أحدهم بالنقود التي معهم ليشتري ليهم احسن وأفضل الطعام، وأمروه أن يأخذ حذره من أن يراه الملك وأعوانه، حتّى إذا وصل رفيقهم إلى المدينة دُهش صاحب المحل أنّ الورقة النقدية مطبوع عليها صورة الملك القديم الذي مرت عليه عصور، فدهش الشاب من كلامه، بعدها عرفوا أنّ هذه معجزة قد حدثت لهم وانتشر خبرهم في المدينة بعد أن اختفى خبرهم وخبر الدين الذي يدينون به.
في هذا الوضع شاب من ثلاثمائة سنة أمام عصر غير عصره يختلف في أسلوب الحياة والتقاليد وكل شيء، سألوا الله أن يميتهم لأنّهم لن يستطيعوا أن يكملوا الحياة على هذه الشاكلة، ثم إنّ رسالة الإيمان والبعث وصلت إلى الناس من خلالهم واستوفوا عملهم، فتوفاهم الله راضٍ عنهم بحسن إيمانهم وصنيعهم.