يعد مرض الاكتئاب واحدا من أكثر الأمراض شيوعا في العالم، فهو يمثل غالب الأمراض النفسية، ومن أكثر الأمراض التي نشخصها في عيادات طب الأسرة. وهو مرض يقلل من فعالية الإنسان في الحياة، ويؤثر سلبا على الأمراض المزمنة التي لديه، وقد يدفع المريض إلى الانتحار، هذا فضلا عن أثره الاجتماعي وتكاليفه الاقتصادية على الفرد والمجتمع.
وتزداد مشكلته إذا علمنا أن كثيرا من المرضى المصابين بالاكتئاب لا يتم تشخيصهم، إذ تقدِّر بعض الدراسات أن 50% فقط من الناس يتم تشخيصهم والباقي يمرون دون تشخيص. ولعل من ما هى اسباب ذلك أن المرضى عادة لا يأتون بأعراض نفسية بل بأعراض عضوية -كالصداع وآلام في الجسد وغيرهما-، وهنا يكمن دور طبيب الأسرة في الفحص وتشخيص المبكر والسليم ومن ثم العلاج و دواء لهذا المرض.
لن نتطرق ووسائل هنا لطريقة فحص وتشخيص الاكتئاب، فهذا دور الطبيب، خاصة وأن له أنواعا عديدة وهو يختلف من حالة لأخرى. ما يهمنا في هذا السياق -بعد إبراز أهميته ولفت الانتباه إلى ضرورة تشخيصه- هو رفع مستوى الوعي المجتمعي حوله، وتصحيح بعض القناعات غير السليمة بخصوص علاجه.
فأول الأمر ينبغي أن نعلم أن الاكتئاب مرض؛ مرض كسائر الأمراض العضوية، مثله مثل مرض ارتفاع ضغط الدم والسكري والالتهابات الجرثومية والحساسية وغيرها. وكونه مرض فهذا الأمر لا يعيب صاحبه، ولا نلومه عليه، وعلينا أن نتقبل فكرة وجود قريب أو صديق -إن لم نكن نحسن أنفسنا- مصابين به! وبالمناسبة فإن كثيرا من المشاهير والعلماء والسياسيين كانوا مصابين بالاكتئاب يوما في حياتهم!
ومن ثَمّ، فكونه مرض.. إذن له علاج. وقد صحّ عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوله: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"، فما علاج و دواء الاكتئاب؟ علاجه ينقسم إلى نوعين: علاج و دواء سلوكي معرفي، وآخر دوائي، كل منهما ناجح وحده في تحقيق الشفاء بإذن الله، واجتماعهما معا احسن وأفضل خاصة في حال كان الاكتئاب شديدا.
أما العلاج و دواء السلوكي المعرفي فغايته تحديد القناعات والأفكار السلبية لدى المريض والتي لم يستطع التكيف معها، ومن ثَمّ تعديل تلك القناعات والأفكار وتدريب المريض على الاستجابة السليمة لها، وبالتالي تقليل أثرها عليه وتحسين ردود أفعاله تجاهها. وأما العلاج و دواء الدوائي، فوجد العلماء والباحثون أن بعض الأدوية تغير من تركيز بعض النواقل العصبية في الدماغ، فتكون الاستجابة بتحسن في المزاج والحالة النفسية. وأيا كان تفسير هذه الارتباط بين النواقل العصبية والحالة النفسية، فإن دراسات علمية عديدة أثبتت نجاعة وفعالية الأدوية في علاج و دواء مرض الاكتئاب وذلك عند مقارنتها مع بقاء المريض دون علاج. وتعتبر (مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية) "Selective Serotonin Reuptake Inhibitors SSRIs" الخيار الأول والمفضل بالنسبة للعلاج و دواء الدوائي، ويكفي أن نطمئن المرضى بأنها:
1. أدوية آمنة بشكل عام، وأعراضها الجانبية مؤقتة ومحتملة.
2. ليست أدوية مهدئة للمرض، بل أدوية معالجة له، كما بيّنا من قبل.
3. لا تسبب الإدمان، بمعنى أنها لا تسبب الاعتماد الجسدي والنفسي، بل يستطيع المريض تركها والتحول إلى علاج و دواء آخر، حتى لو احتاجها فترة طويلة، مثلها كمثل أدوية الضغط والسكري.
مرة أخرى.. الاكتئاب مرض لا يعيبك، وعلاجه الدوائي آمن؛ ليس مهدئا ولا يسبب الإدمان.. ودمتم بصحة وعافية.
د. أنس المحتسب