سخّر الله سبحانه و تعالى الكثير من النّعم للإنسان ، فعلى البرّ ترى أشكال الحيوانات المختلفة التي ينتفع منها الإنسان في ركوبه و طعامه و شرابه ، بل و في دوائه ، و في البحر خلق الله سبحانه المخلوقات التي ينتفع الإنسان منها في طعامه فيأكل لحماً طريّاً غني بالعناصر الغذائية المفيدة ، و إن حاول الإنسان أن يحصي نعم الله سبحانه و تعالى فلن يحصيها عدداً ، و من بين هذا النّعم الكثيرة مادّة العسل التي تصنعها النّحل ، فقد أمر الله النّحلة و أوحى إليها بالعمل في ظلّ نظامٍ عجيبٍ ، قال تعالى : (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .
و الذي يرى عمل النّحلة و كيف تتنقّل بين الأزهار و ترتشف من رحيقها يدرك عظمة صنع الله في خلقه و آياته ، فالنّحلة تشترك مع قريناتها في هذا العمل فتمتص رحيق الأزهار ثمّ تقوم و من خلال إنزيمٍ معيّنٍ في بطنها بإخراج سائلٍ رقيقٍ تقوم بوضعه على شكل أقراصٍ في خلايا سداسيّة الشّكل ، و من ثمّ تقوم النّحلة بتهوية هذا السّائل بأجنحتها حتى يجف لأنّ الرّطوبة تسبّب تخمّر العسل و فساده ، و بعد تهويته يضع النّحل عليه مادّة شمعيّةً لحفظه من عوامل البيئة المختلفة كالرّطوبة و غيرها .
و بعد هذا العمل الجماعي المنظّم يأتي البشر لحصاد و جني العسل و الانتفاع به ، و يقوم الذي يجني العسل باستخدام أداةٍ حادّةٍ كالسّكين حيث يقوم بفصل المادّة الشّمعيّة للحصول على أقراص العسل ، و من ثمّ يضع أقراص العسل في جهازٍ للفرز يستخدم قوة الطّرد المركزي في ذلك ، و باستخدام هذا الجهاز يفرز العسل و يستخرج نقيّاً خالياً من الشّوائب ليقدّم على مائدة النّاس طعاماً أو شراباً ثبتت نجاعته في علاج و دواء و شفاء الكثير من الأمراض ، و قد بيّن النّبي صلّى الله عليه و سلّم أنّ من احسن وأفضل ما يتداوى الإنسان به هو العسل ، فسبحان الله الذي سخر للبشر من الخيرات و النّعم ما يسدّ حاجاتهم كلّها .