يتداول النّاس كثيراً حديثاً روي عن النّبي محمّد عليه الصّلاة و السّلام أنّه قال في أثناء رجوعه من إحدى غزواته رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، و سئل تعرف ما هو يارسول الله قال : هو مجاهدة القلب ، و الحقيقة أنّ هذا الحديث ضعيفٌ لم يصحّ عن النّبي عليه الصّلاة و السّلام و يخالفه نصّ القرآن الكريم في تفضيل المجاهدين على القاعدين ، و قد حصل أن تنافس على عهد رسول الله أقوامٌ فمنهم من قال مفتخراً أنا أسقى حجاج بيت الله الحرام ، و قال الآخر أنا عندي مفتاح بيت الله الحرام ، و قال ثالثهم و يقال أنّه سيّدنا عليّ رضي الله عنه في بعض الرّوايات لقد صلّيت ستّة أشهرٍ قبل النّاس و أنا صاحب الجهاد فنزل قوله تعالى ( أجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و اليوم الآخر و جاهد في سبيل الله ، لا يستوون عند الله و الله لا يهدي القوم الظّالمين ) ، فالجهاد في سبيل الله و بذل الرّوح و المال بلا شك احسن وأفضل أنواع الجهاد و أعلاها مرتبةً ، و قد حدّث النّبي الكريم عليه الصّلاة و السّلام بأنّ المجاهدون هم أكثر النّاس فتنةً في دينهم و امتحان صبرهم حيث بارقة السّيوف على رؤوسهم تلمع ، و إن كان جهاد الأعداء يحتاج أولاً لجهاد النّفس كمرحلةٍ سابقةٍ حتّى لا يكون الإنسان عبئاً في المعركة على إخوانه أو ينكص على عقبيه فمن كانت الدّنيا همّه لم يستطع فراقها و كلّ ذلك يحتاج لمجاهدة النّفس و مقارعة نزواتها قبل مقارعة الأعداء في ساحات الوغى .
و إنّ جهاد النّفس يتطلّب من المسلم أن يكون قوياً في إيمانه فيبتعد عن المنكرات و يعمل الطّاعات ، و إذا رأى منكراً أنكره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان ، و على مجاهد النّفس أن لا يتبع هواه و إنّما يكون منقاداً لأمر الله و هدي رسوله عليه الصّلاة و السّلام ، و كذلك قد حدّث النّبي الكريم أنّ من سادة الشّهداء حمزة و رجلٌ قام إلى حاكمٍ ظالمٍ جائرٍ يظلم النّاس و يعتدي عليهم فأمره بتقوى الله في نفسه و رعيته و نهاه عن المنكرات و الظّلم و العدوان ، فهذا الرّجل جاهد نفسه حتى استطاع مواجهة الظّالمين بقوة ، و كذلك من جهاد النّفس تربيتها على الأعمال الصّالحة و الطّمع في ما عند الله من الأجر بزيادة الطّاعات لله سبحانه .