تتنوع وجوه التكافل المجتمعي بين الناس، بين فعل الخير والإحسان إلى الآخر ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف وتعليم الأمي وإنقاذ المتورط وتسديد الديون عن الناس وكفالة اليتيم ورعاية اللقطاء وتثقيف الناس وإنشاء المصانع التي تذهب أرباحها إلى الفقراء أو التي تكون منتجاتها مساعدةً للدولة، إضافةً إلى وجوه الإحسان التي ظهرت في العصر الحديث والتي اتسعت لتشمل مختلف المجالات، فإنشاء محطة إعلامية هادفة أو صحيفة محترمة وجهٌ من وجوه الإحسان و إنشاء مشفى لمعالجة الفقراء وجهٌ من وجوه الإحسان و تعليم الأطفال أو إنشاء مراكز لرعاية ذوي الإحتياجات الخاصة وجهٌ من وجوه الإحسان و رعاية المواهب وتنميتها لتفيد المجتمع والأمة وجهٌ من وجوه الإحسان أيضاً وغيرها الكثير. فبتنوع وجوه الخير بين الناس تزدهر الأمم وتغطي الإيجابية الشعوب، لذلك لم تخل الأفكار الإنسانية أو الدينية من حثِّ النَّاس على التبرع والمساعدة والإحسان إلى الغير.
من هنا ظهرت فكرة الوقف، فالوقف يعني إيقاف وحبس الأملاك أو الأموال أو أي شئ يملكه الإنسان لتقديم المنفعة للآخرين، فقد يملك شخصٌ مبنى فيقفه كمشفى لمعالجة المرضى الفقراء، أو قد يقفه كمدرسة لرعاية المواهب أو كمركز لرعاية الأيتام أو ذوي الاحتياجات الخاصة أو داراً للعبادة، وقد يقف سريراُ في مشفى أو سيارة إسعاف أو سيارة لنقل المحتاجين أو سبيلاً للمياه أو مصنعاً لتشغيل الفقراء ورعايتهم وتسديد التزاماتهم.
لا تقتصر فكرة الوقف على تقديم المنفعة للإنسان فقط، بل قد تشمل رعاية النبات والحيوان، فقد يقف شخصٌ ما أرضاً له لرعاية نوع معين من الحيوانات، كالقطط والكلاب الضالة، أو نوع معين من الحيوانات المهددة بالانقراض أو نباتات معينة لإضفاء منظر جمالي أو استخدام ثمارها ومحاصيلها في الغذاء. وقد تكون الأوقاف أيضاً لرعاية نوع معين من الفنون أو إحياءً للتراث، إذ لا يجب أن تظل فكرة الأوقاف محصورةً في مجالات معينة كما ينتشر في بلادنا العربية، فالناس الآن لم تعد بحاجةٍ إلى سبيلٍ للمياه موضوعٍ على الأرصفة، بل تحتاج إلى أوقاف من نوع فريد تقدم منفعة ثقافية ومالية وفنية وأدبية وعلمية ونهضوية للمجتمع، كما حصل في بعض الدول الأوروبية إذ نجد أن فكرة الأوقاف قد تجاوزت الحدود فأشهر جامعات ومدارس أوروبا -على سبيل المثال لا الحصر- هي أوقاف من أشخاص أرادوا تخليد أسمائهم بعد موتهم عن طريق تقديم خدمة علمية وإنسانية لجميع البشر. ولنتخذ من مشروع العالم المصري الدكتور أحمد زويل للعلوم والتكنولوجيا مثالاً على وقف من نوع جديد وهو وقف الوقت والعمر لنهضة الأمة.
الوضع في العالم العربي يتفاقم سوءاً، وإذا لم تتحرك الفئة التي تمتلك الثروات في وطننا العربي لنجدة هذه الأمة ومساعدتها على النهضة والتقدم العلمي والأخلاقي والتقني والفني والأدبي، فلن تقوم لنا قائمة.