الحوار
يشكّل الحوار ركنًا أساسيًّا من أركان الدّعوة الإسلاميّة، فالدّعوة الإسلاميّة في الأساس قائمة على حوار المخالفين وإقناعهم بالحجّة والمنطق والدّليل، وقد جاءت الدّعوة الإسلاميّة في أساسها لتعطي الحريّة لجميع النّاس في اعتناق الإسلام فلا إجبار لأحد على ذلك ما لم يقتنع اقتناعًا كاملًا، قال تعالى: "وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف:29) لذلك لم تسجّل حادثةٌ في التّاريخ تدلّ على أنّ المسلمون قد أجبروا أحدًا يومًا على اعتناق الإسلام بل كان ديدنهم على الدّوام هداية النّاس إلى الحق والصّراط المستقيم بعد أن يدخل نور الإسلام إلى قلوبهم فتنشرح له صدورهم.
وقد كان للحوار في الإسلام ضوابط وأحكام وآداب، فالحوار ينبغي أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة فلا ينبغي أن يكون الحوار هوجائيًّا بدون أسس وإلا انقلبت نتائجه ولم تأتِ ثماره، كما يكون الحوار باستخدام الكلام الحسن المنمّق بعيدًا عن العنف والتّخويف أو التّرهيب، قال تعالى : "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" (النحل: 125)، كما ينبغي أن يكون الحوار له هدفٌ واضح وبوصلةٌ معيّنة يتوجّه إليها ويسعى لتحقيقها وإلا كان الحوار عقيمًا بدون نتائج.
أهميّة الحوار في الإسلام
وقد أولى الإسلام مسألة الحوار أهميّة كبيرة، وإنّ أهميّته تأتي من عدّة أمور نذكر منها :
- الحوار هو سبيل الوصول إلى الحقّ، فالأنبياء حين كانوا يحاورون أقوامهم بالحجّة والمنطق كانوا يسعون من وراء ذلك إلى إقناع و ماسك أقوامهم بدين التّوحيد والإيمان وإنقاذهم من الكفر والضلال.
- الحوار هو حجّة على المخالفين من أهل الباطل كما أنّه إعذار لله تعالى، فالنّبي حينما يبيّن لقومه الحقّ فيأبون إلا البقاء على ما هم فيه من الضّلال فإنّ ذلك يكون عليهم حجّة يوم القيامة أمام ربّهم فلا يستطيعون الاعتذار بعدم وصول رسالة الله إليهم، كما أنّ المسلم حين ينكر على أحد فعله وطريقه عن طريق الحوار وتبيان الحق فإنّه يكون قد أعذر لله تعالى أي أظهر عذره واستبرأ لدينه، ومثال على ذلك قوم من بني إسرائيل كانوا ينصحون قومهم بعدم مخالفة أمر الله تعالى بالصّيد في يوم السّبت الذي حرّم عليهم الصّيد فيه، فكان الحوار بين فريق رأى عدم جدوى نصيحة هؤلاء القوم وفريق آخر رأى أنّ في تلك النصيحة إعذار لله، قال تعالى ( وإذ قالت أمّة منهم لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا، قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون (الأعراف:126).
- الحوار وسيلة لتهذيب النّفس وتربيتها، فحين يكون أسلوب الحوار سائدًا في المجتمع الإسلاميّ يكون هذا المجتمع متّسمًا بالأخلاق الحسنة من حسن استماع وأناة وصبر ورفق ولين وغير ذلك من الصّفات التي يتطلّبها الحوار.