قال الله تعالى في محكم تنزيله (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير)، الأبناء هبة من الله عز وجل، وهي باب من أبواب الرزق ويخضع لمشيئة الله وحده. ومن مشيئته سبحانه ألا يهب الأبناء، فيجعل الزوجين أو أحدهما عقيما، والعقم في تعريفه هو عدم القدرة على الإنجاب، وقد أضاف البعض شروطا للعقم، فقالوا إذا لم يحدث حمل خلال السنة الأولى من الزواج؛ مع وجود علاقة جنسية بين الزوجين مرتين أسبوعيا على الأقل.
العقم مثل أي حالة مرضية أخرى، أوجد العلم الحديث عدة طرق ووسائل للعلاج و دواء وتجاوز هذه الأزمة؛ نظرا لما له من أثر سلبي على الحياة الزوجية، حيث أن الإنجاب هو من سنن الله وغريزة في كلا الزوجين على حد سواء. وفي عام 1991م، بدأت فكرة الحقن المجهري، فهي فكرة حديثة أتت بعدد أطفال الأنابيب بحوالي ثلاثة عشر عاما، لتكون طريقا علاجيا لحالات العقم. ويقوم فريق الأطباء بتنشيط مبيض المرأة ليقوم بإنتاج أكبر عدد ممكن من البويضات، ثو يقوموا باستخراج هذه البويضات في وقت معين، حيث يكونوا كلمين النضج وجاهزين للإخصاب. ثم يقوم الفريق الطبي بحقن حيوان منوي واحد داخل كل بويضة لتتم عملية الإخصاب مجهريا، ثم يتم إعادة البويضة إلى الرحم ليتم التحامها بجدار الرحم ويحدث الحمل بإذن الله.
ومن مزايا عملية الحقن المجهري أنها ترفع نسبة الإنجاب في حال عدم نجاح الطرق ووسائل التقليدية، وخصوصا وأن نسبة نجاح هذه العملية مرتفعة جدا وهذه ميزة بحد ذاتها. زيادة نشاط المبيض لدى الزوجة بعد هذه العملية، حيث أنه يزيد من احتمالية الحمل بعد ذلك بطريقة طبيعية. معظم المراكز تسمح بإعادة العملية إذا فشلت في المرة الأولى ورغم كلفتها العالية.
أما عن عيوب هذه العملية؛ فتكون باحتمالية الولادات المتعددة والحمل خارج الرحم، ويكون الأطفال أكثر عرضة للتشوهات الخلقية، ناهيك عن كلفتها العالية. وبسبب الهرمونات والفيتامينات التي تأخذها الأم لإنتاج البويضات؛ فإنه قد يسبب لها انتفاخا وسمنة غير مرغوب فيهما.
هناك القدر وهناك القرار، فالمرض قدر، والعلاج و دواء قرار. فكل إنسان عندما يمرض يحمد الله على البلاء؛ ولكنه يذهب إلى الطبيب طلبا للعلاج، وهذا الطلب هو القرار. فالبقاء على المرض ليس من ضمن الرضى بالقضاء والقدر، فيجب على الإنسان أن يؤمن بالقضاء، ولكن من حقه أن يسخط على المقدور، فلا يصبر على المرض، بل يسعى جاهدا للحصول على العلاج. وكما في قصة الشعبي عندما مر على قوم لديهم إبل أصابها الجرب، فقال لهم (يا فتيان، ألا ترون إبلكم هذه؟) قالوا (إن لنا عجوزا نتكل على دعائها) أي هي تدعوا للإبل بالشفاء، ونحن يكفينا دعاؤها. فقال لهم (أحب أن تضيفوا إلى دعائها شيئا من القطران). وكان القطران معروف عند العرب في الجزيرة العربية ويستخدم لعلاج و دواء جرب الإبل. ولكن هؤلاء الأعراب رضوا بالقدر ولم يسخطوا على المقدور.
الرضى بالقدر أن يكون أحد الزوجين عقيم، ولكن من حقهم الحصول على العلاج، والحقن المجهري أحد طرق ووسائل العلاج و دواء التي أوجدها الطب الحديث، حتى تكتمل فرحة الزوجين بحياتهما، قال تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا). وليس في ذلك اعتراض على حكم الله أو قضائه وقدره، بل هي من السعي إلى تحقيق البهجة في الدنيا وإرضاء الغريزة البشرية بالتكاثر والذرية.