إنّ الموت حق علينا جميعاً، وعلينا أن نقوم بجميع الأعمال الصّالحة لنستعد لتلك اللحظة، ألا وهي لحظة الموت. فالموت ليس بالشيء المخيف بالنسبة للإنسان المؤمن المتيقّن بأنّه إذا عمل صالحاً في الدّنيا فسيلقى صالحاً في الآخرة، وأنّ رحمة الله تعالى ستتنزّل عليه، وأنّ أعماله ستنير عليه قبره إلى يوم القيامة، وتسهّل عليه الإجابة على أسئلة الملكين، وسينال يوم القيامة الثّواب والأجر على ما عمل من الصّالحات، وسيكون أجره عظيماً.
قال تعالى:" وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "، التوبة/72.
وأمّا الكافر الذي كذّب بدين الله تعالى، وبما جاء به رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - واستكبر، وأصرّ على كفره، فإنّ الله تعالى سيجازيه أشدّ الجزاء، وسيكون قبره يوم موته ظلمةً عليه، قال الله تعالى:" وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً "، الكهف/28.
أول ليلة في القبر
قال الله تعالى:" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ "، إبراهيم/27. وفي الصّحيحين من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" " يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ "، نزلت في عذاب القبر ". وزاد مسلم:" يقال له: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، ونبيّ محمّد، فذلك قوله سبحانه وتعالى:" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ "، وفي رواية للبخاري قال:" إذا أقعد العبد المؤمن في قبره أتي ثمّ شهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، فذلك قوله:" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ" ".
وخرّج الطبراني من حديث البراء بن عازب، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" يقال للكافر من ربّك، فيقول لا أدري، فهو تلك السّاعة أصمّ، أعمى، أبكم، فيُضرب بمرزبة لو ضرب بها جبل صار تراباً، فيسمعها كلّ شيء غير الثّقلين ".
وخرّج أبو داود من حديث المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إنّه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين حين يقال له من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟". وفي رواية له قال:" ويأتيه ملَكان فيُجلسانِه، فيقولانِ: من ربُّكَ؟ فيقولُ: ربّي اللهُ، فيقولان: ما دينُكَ؟ فيقولُ: ديني الإسلامُ، فيقولانِ: ما هذا الرّجلُ الذي بُعث فيكم؟ فيقولُ: هو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فيقولانِ له: وما يدريك؟ فيقولُ قرأتُ في كتابِ اللهِ، فآمنتُ به، وصدَّقتُ، قال: فيُنادي مُنادٍ من السّماءِ أن صدق عبدي، قال فذلك قولُه:" يُثّبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنيَا وَفِي الُآخِرِةِ "، فيُنادي مُنادٍ من السّماءِ أنْ صدقَ عبدي، فأفرِشوه من الجنّةِ، وألبِسوه منها، وافتحوا له بابًا إلى الْجنَّةِ، فيأتيه مِنْ رَوحِها، ومن طِيبِها، ويُفسحُ له في قبرِهِ مدَّ بصرِهِ ".
قال: وذكر الكافر فقال: " ثمّ تعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرّجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السّماء إن كذب فافرشوه من النّار، وألبسوه من النّار، وافتحوا له باباً من النّار، فيأتيه من حرّها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ".
وخرّجه أيضا من طريق عيسى بن المسيّب، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وقال فيه في حقّ المؤمن:" فيأتيه منكر ونكير، يثيران الأرض بأنيابهما، ويفحصان الأرض بأشعارهما، فيجلسانه "، وذكر في الكافر مثل ذلك وزاد فيه:" أصواتهما كالرّعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف "، وقال:" فيضربانِه بمِرزبَّةٍ من حديدٍ، لو اجتمع عليها ما بين الخافِقَينِ لم يَقلُّوها ".
وعن أنس أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إنّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولّى عنه أصحابَه، وإنّه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنّه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النّارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنّةِ، فيراهما جميعًا. قال قَتادَةُ وذكر لنا: أنّه يُفْسحُ في قبرِه، ثمّ رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأمّا المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرّجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ النّاسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها من يليِه غيرَ الثّقلين "، رواه البخاري.
وعن أسماء بنت أبي بكر، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال في خطبته يوم كسفت الشّمس:" ولقد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور مثل - أو قريباً من - فتنة الدّجال - لا أدري أيّ ذلك قالتْ أسماء - يؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجلُ؟ فأمّا المؤمن أو الموقن - لا أدري أيّ ذلك قالتْ أسماء - فيقول: هو محمّد رسول الله، جاءنا بالبيّنات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا، فيقال: نم صالحاً، فقد علمنا إن كنتُ لمؤمناً، وأمّا المنافق أو المرتاب - لا أدري أيّ ذلك قالتْ أسماء - فيقول : لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقُلْته "، رواه البخاري.
وعن أبي هريرة، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إنَّ الميِّتَ يصيرُ إلى القبرِ، فيجلسُ الرَّجلُ الصَّالحُ في قبرِهِ، غيرَ فزعٍ، ولا مشعوفٍ، ثمَّ يُقالُ لَهُ: فيمَ كنتَ؟ فيقولُ: كنتُ في الإسلامِ، فيُقالُ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ؟ فيقولُ: محمَّدٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، جاءَنا بالبيِّناتِ مِن عندِ اللهِ فصدَّقناهُ، فيُقالُ لَهُ: هل رأيتَ اللهَ؟ فيقولُ: ما ينبغي لأحدٍ أن يرَى اللهَ، فيُفرَجُ لَهُ فُرجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فينظرُ إليها يحطِمُ بعضُها بعضًا، فيُقالُ لَهُ: انظر إلى ما وقاكَ اللهُ، ثمَّ يُفرَجُ لَهُ قِبَلَ الجنَّةِ، فينظرُ إلى زَهْرتِها، وما فيها، فيُقالُ لَهُ: هذا مَقعدُكَ، ويُقالُ لَهُ: علَى اليقينِ كنتَ، وعلَيهِ مِتَّ، وعلَيهِ تُبعَثُ، إن شاءَ اللهُ، ويجلسُ الرَّجلُ السُّوءُ في قبرِهِ، فزِعًا مَشعوفًا، فيُقالُ لَهُ: فيمَ كنتَ؟ فيقولُ: لا أدري، فيُقالُ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ؟ فيقولُ: سمِعتُ النَّاسَ يقولونَ قَولًا، فقلتُهُ، فيُفرَجُ لَهُ قِبَلَ الجنَّةِ، فينظرُ إلى زَهْرتِها وما فيها، فيُقالُ لَهُ: انظر إلى ما صرفَ اللهُ عنكَ، ثمَّ يُفرَجُ لَهُ فُرجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فينظرُ إليها، يحطِمُ بعضُها بعضًا، فيُقالُ لَهُ: هذا مَقعدُكَ، علَى الشَّكِّ كنتَ، وعلَيهِ مِتَّ، وعلَيهِ تُبعَثُ، إن شاءَ اللهُ تعالى "، صحيح ابن ماجه.
وعن أبي سعيد الخدري قال:" هِدْنا مع رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - جِنازَةً، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: يا أيُّها النّاسُ، إِنَّ هذه الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِها، فإذا الإنسانُ دُفِنَ وتَفَرَّقَ عنهُ أصحابُهُ، جاءهُ مَلَكٌ في يَدِه مِطْرَاقٌ فَأَقْعَدَهُ، قال: ما تقولُ في هذا الرّجلِ؟ فإنْ كان مُؤْمِنًا قال: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهدُ َأنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، فيقولُ لهُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ يفتحُ لهُ بابًا إلى النّارِ، فيقولُ: هذا كان مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ، فَأَمَّا إِذ آمَنْتَ فهذا منزلُكَ، فيفتحُ لهُ بابًا إلى الجنّةِ، فَيُرِيدُ أنْ يَنْهَضَ إليهِ، فيقولُ لهُ: اسكُنْ ويفسحُ لهُ في قبرِهِ، وإنْ كان كافرًا أوْ منافقًا يقولُ لهُ: ما تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: لا أَدْرِي، سمعْتُ النّاسَ يقولونَ شيئًا. فيقولُ: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ ولا اهْتَدَيْتَ. ثُمَّ يفتحُ لهُ بابًا إلى الجنّةِ، فيقولُ لهُ: هذا منزلُكَ لَوْ آمنْتَ بربِّكَ، فأمَّا إذْ كفرْتَ بهِ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أبدلكَ بهِ هذا، فيفتحُ لهُ بابًا مِنَ النّارِ، ثُمَّ يقمعُهَ قمعةً بالمِطراقِ يسمعُها خلقُ اللهِ عزَّ وجلَّ كلُّهُمْ غيرَ الثّقلينِ. فقال بعضُ القومِ: يا رسولَ اللهِ، ما أحدٌ يقومُ عليهِ ملَكٌ في يدِه مِطراقٌ إلَّا هِيلَ عندَ ذلكَ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:" يُثَبِّتُ اللهُ الذينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ ". "، تفسير القرآن لابن كثير. (1)
كلام القبر عند النزول إليه
عن أبي سعيد قال:" دخل رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - مُصلَّاه، فرأَى ناسًا كأنَّهم يكتشِرون فقال: أما إنَّكم لو أكثرتم من ذِكرِ هاذمِ اللَّذَّاتِ أشغَلكم عمَّا أرَى الموتُ، فأكثِروا ذِكرَ هاذمِ اللَّذَّاتِ: الموتِ فإنَّه لم يأتِ على القبرِ يومٌ إلَّا تكلَّم فيه فيقولُ: أنا بيتُ الغُربةِ، وأنا بيتُ الوَحدةِ، وأنا بيتُ التُّرابِ، وأنا بيتُ الدُّودِ، فإذا دُفِن العبدُ المؤمنُ قال له القبرُ: مرحبًا وأهلًا، أما إن كنتَ أحبَّ من يمشي على ظهري إليَّ، فإذا وليتُك اليومَ فسترَى صنيعي بك. قال: فيتَّسِعُ له مدَّ البصرِ، ويُفتَحُ له بابٌ إلى الجنَّةِ، وإذا دُفِن العبدُ الفاجرُ أو الكافرُ فقال له القبرُ: لا مرحبًا ولا أهلًا، أما إن كنتَ لأبغضَ من يمشي على ظهري إليَّ، فإذا وليتُك اليومَ وصرتَ إليَّ فسترَى صنيعي بك. قال: فيلتئِمُ عليه حتَّى يلتقيَ عليه وتختلِفَ أضلاعُه. قال: فأخذ رسولُ اللهِ بأصابعِه، فأدخل بعضَها في جوفِ بعضٍ، قال: ويُقيَّضُ له سبعون تِنِّينًا لو أنَّ واحدًا منها نفخ في الأرضِ ما أنبتت شيئًا ما بَقِيت الدُّنيا، فتنهَشُه وتخدِشُه، حتَّى يُفضَى به إلى الحسابِ. قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّما القبرُ روضةٌ من رياضِ الجنَّةِ، أو حُفرةٌ من حُفَرِ النَّارِ ". (1)
اجتماع الموتى إلى الميت
خرّج النّسائي وابن حبّان في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في ذكر خروج الرّوح، وقال في روح المؤمن:" فيأتونَ بِهِ أرواحَ المؤمنينَ، فلَهُم أشَدُّ فرحًا بِهِ مِن أحدِكُم بِغائبِهِ يقدمُ علَيهِ، فيَسألونَهُ: ماذا فَعلَ فلانٌ، ماذا فعلَ فلانٌ، فيقولونَ: دَعوهُ فإنَّهُ كانَ في غَمِّ الدُّنيا، فإذا قالَ أما أتاكُم، قالوا: ذُهِبَ بِهِ إلى أمِّهِ الهاويةِ ".
روى معاوية بن يحيى، وفيه ضعف، عن عبد الرحمن بن سلامة، أنّ أبا رهم السّمعي حدّثه، أنّ أبا أيّوب الأنصاري حدّثه، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إنَّ نفسَ المؤمنِ إذا قُبِضَتْ تلقَّاها أهلُ الرّحمةِ من عندِ اللهِ، كما يُتلقَّى البشيرُ في الدّنيا، يقولون انْظِرُوا أخاكم حتى يستريحَ، فإنَّهُ كان في كربٍ شديدٍ، فيسألونَه ماذا فعل فلانٌ؟ وماذا فعلت فلانةُ؟ وهل تزوجت فلانةُ؟ فإذا سألوهُ عن رجلٍ مات قبلَه، وقال: مات قبلي، قالوا: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ذُهِبَ به إلى أُمِّهِ الهاويةِ " ". (1)
الاستعداد للموت
قال الله تعالى:" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوُتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ * لَعَلّى أَعمَلُ صَلِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فيِ الصَّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ "، المؤمنون/99-101.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - غرز عودًا بين يديه، وآخرَ إلى جنبه، وآخرَ أبعدَ منهن، فقال:" هل تدرون ما هذا؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: هذا الإنسانُ، وهذا الأجلُ - أراه قال -، وهذا الأملُ، فيتعاطى الأملَ، فلحقه الأجلُ دون الأملِ "، رواه الألباني.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النّبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنّه قال لرجل وهو يعظه:" اغتَنِم خمسًا قبلَ خمسٍ: شبابَك قبلَ هَرمِك، وصحَّتَك قبلَ سَقمِك، وغناكَ قبلَ فقرِك، وفراغَك قبلَ شُغلِك، وحياتِك قبلَ موتِكَ ". وكتب الإمام أبو حامد الغزالي إلى الشّيخ أبي الفتح بن سلامة:" قرع سمعي بأنّك تلتمس منّي كلاماً وجيزاً في معرض النّصح والوعظ، وإنّي لست أرى نفسي أهلاً له، فإنّ الوعظ زكاة نصابها الاتعاظ، فمن لا نصاب له كيف يخرج الزّكاة، وفاقد النّور كيف يستنير به غيره، ومتى يستقيم الظل والعود أعوج ".
قال الله تعالى:" مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَ?ئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ? وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ "، هود/ 15-16. وقال الله تعالى:" قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ? ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى? عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "، الجمعة/8. (2)
سكرات الموت
قال الله تعالى:" كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ? وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ? فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ? وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ "، آل عمران/ 185. وقال تعالى:" وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ? ذَ?لِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ "، ق/19.
وقد روى البخاري في صحيحه، أنّ عائشة رضي الله عنها قالت:" إنّ رسولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلّم - كان بين يديِه رَكْوَةٌ، أو: عُلبةٌ فيها ماءٌ - يشُكُّ عمرُ - فجعل يُدخِلُ يدَه في الماءِ، فيمسحُ بها وجهَهُ، ويقولُ: لا إله إلا الله، إنّ للموتِ سَكََراتٍ. ثمّ نَصبَ يدَه فجعل يقولُ: في الرّفيقِ الأعلى. حتّى قُبِضَ ومالت يدُه ".
وفي صحيحه أيضاً:" لمّا ثَقُل النبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - جعَل يتَغَشَّاه، فقالتْ فاطمةُ عليها السّلامُ: واكَربَ أباه، فقال لها: ليس على أبيك كَربٌ بعدَ اليومِ. فلمّا مات قالتْ: يا أبَتاه، أجاب ربًّا دَعاه، يا أبَتاه، مَن جنةُ الفِردَوسِ مَأواه، يا أبَتاه، إلى جِبريلَ نَنعاه. فلما دُفِن قالتْ فاطمةُ عليها السّلامُ: يا أنسُ، أطابَتْ أنفسُكم أن تَحثوا على رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - الترابَ ". (2)
المراجع
(1) بتصرّف عن كتاب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور/ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد الدمشقي الحنبلي/ دار الغد الجديد- القاهرة/ الطبعة الأولى.
(2) بتصرّف عن كتاب الاستعداد للموت وسؤال القبر/ زين الدين بن عبد العزيز الهندي/ دار ابن خلدون- اسكندرية/ الجزء الأول.