قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا). الله سبحانه وتعالى هو الخالق والمُشرِّع، والشيئ الوحيد الذي حرَّمه على نفسه هو الظلم، لما فيه من ضرر كبير ومفسدة عظيمة. وجعل الظلم محرماً على عباده؛ حتى لا ينتشر الفسادُ وتعمُّ الشرور الأرض. وكما قال الشاعر في ذات السياق
لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدراً... فالظلمُ آخِرهُ يُفضي إلى النَّدّمِ تنامُ عينُك والمظلومُ منتبهٌ... يدعو عليكَ وعين الله لم تَنَمِ
وفي الحديث القدسي توعُّدٌ من الخالق عزَّ وجل عندما قال مخاطِباً دعوة المظلوم (وعزتي وجلالي لأنصرنَّكِ لو بعد حين). نُصرة دعودة المظلوم قادمة لا محالة، وقوله تعالى (لو بعد حين) أي أن استجابة الدعوة على المظللوم ليس بالضرورة أن يكون فورياً أو قريباً، ولكنها ستأتي، ومجيئها يكون على أربعة مراحل كما يلي:
1- جاء في قوله تعالى {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} والإملاء هو الإمهال، وهي أن الله يُمهلُ الظالم لعله يرجع عن ظلمه ويتوب عنه.
2- الإستدراج {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} وليس الإستدراج أن تضيق الدنيا على الظالم، ولكن قد يفتحُ الله للظالم أبواباً ويُعطيه من ملذَّات الدنيا وأكثر مما يستحقُّ وفوق ما يتصوَّر.
3- التزيين {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}، وفي هذه المرحلة يموت قلب الظالم ويرى كل قبيحٍ يفعله جميلاً، لا يعود لديه إحساسٌ بالذنب، وموتُ قلبه لا يجعل فيه حياةً ليلومه على أفعاله بعد ذلك.
4- الأخذ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} وفي هذه المرحلة - والعياذ بالله - تنزل عقوبة الله على الظالم، وكتعرف ما هو وارد في هذه الآية الكريمة؛ تكون العقوبة أليمةً وشديدةً؛ حتى يعرف الظالم شرَّ ما اقترفت يداه.
والظلم أنواع، فمنها ظلم الإنسان لربه، وظلمه لنفسه وظلمه لغيره. فأما ظلم الإنسان لربه؛ فيكون بابتعاده عن الله وكفره به، كما قال عزَّ وجل {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، والإشراك بالله أيضاً هو من ظلم العبد لربه، قال تعالى {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. وظلم الإنسان لنفسه يكون باتباع أهوائها والمُضي في طريق الشهوات والإبتعاد عن طريق الله والذي هو طريق الحق والصواب، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
والنوع الأخير والأشدُّ خطورة على الناس والمجتمع، هو ظلم الإنسان لغيره من البشر، وهذا الظلم له صورٌ عديدة، وللمثل لا للحصر؛ الضرب ظلم، أكل أموال الناس بالباطل ظلم، الشتم والتعدي ظلم، غصب الأرض ظلم، المماطلة في دفع الحقوق ظلم، عدم إعطاء الأجير أجره ظلم. وهذا هو الظلم الذي تحدَّثنا عنه وعن مخاطره على المجتمع.
والظلم لا يقع من ضعيف، فشرط الظلم أن يكون الإنسان قادراً على الظلم، فإذا أعانتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك. ولا ننسى قصة سعد بن أبي وقاص عندما دعى على أبا سعدة من بني عبس حين شهِدَ عليه ظلماً فقال ( اللهم إن كان كاذِباً، فأطل عمره، وأكثر ولده، وابتله بالفقر وافتنه)، فرؤي شيخاً كبيراً يغمز الجواري في الطرق، فيُقال له في ذلك فيقول (شيخٌ كبير فقيرٌ مفتون، أصابته دعوة الرجل الصالح سعد). فاحذر أخي أن تمشي في طريق؛ تكون نهايته سداً منيعاً بينك وبين جنة رب العالمين؛ لأن قُوَّتك أعانتك على الظلم، أو أُتيحت لك الفرصة لذلك؛ فاغتنمتها طلباً لمتعة لحظية، فيكون الثمن ندماً أبدياً.