بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد،
إن الفرض والإيجاب سواءٌ عند جمهور العلماء، ولهما نفس المعنى. والفرض هو أحد الأقسام الخمسة للحكم الشرعي التكليفي، والأقسام الأربعة الأخرى التي تضاف إليه هي: الحرام، والمندوب، والمكروه، والمباح. والحكم الشرعي التكليفي: هو خطاب الشارع الحكيم المتعلق بأفعال العباد، والذي يكون إما بالطلب أو التخيير. وتتم دراسة الحكم الشرعي وأقسامه عند العلماء تحت ما يسمى بـ (علم أصول الفقه) الذي يتضمن القواعد والطرق ووسائل والوسائل التي تمكن الفقيه من استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة، وسائر أدلة الأحكام.
يُعَرِّف العلماء الفرض أو الإيجاب: بأنه ما يطلبه الشارع من المُكَلَّفِين على وجه الإلزام. حيث يمدح ويثاب المُكَلَّف الذي يؤدي هذا الفرض، ويذم ويعاقب على تركه ما لم يكن معذورًا.
يُقْسَم علماء أصول الفقه الفرض إلى عدة تقسيمات، ولكُلٍّ منها اعتبارات معينة، ومن تلك التقسيمات: هو تقسيمه بالنظر إلى المكلفين المطالبين به، وهل يكون هذا الفرض فرضًا على كل فردٍ منهم، أم أنه يُفْرَض فقط على جماعة معينة منهم؟ والفرض يقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين وهما:
والفرض العيني: وهو الفرض الذي يُطْلَب من كل مكلف من المكلفين، فلا يستثنى أحد منهم، ولا يصلح أن يقوم به بعضهم دون بعض؛ فالشارع الحكيم يقصد من هذا الفرض أن يؤديه كل مكلف، فهذا المكلف لا تبرأ ذمته إلا بأدائه، ومن الأمثلة على هذا الفرض: أداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، وإعطاء الحقوق لأصحابها، ونحو ذلك.
أما الفرض الكفائي، أو الفرض على الكفاية: فهو الفرض الذي لا يُطْلب من كل مكلف من المكلفين، وإنما يكفي أن يؤديه جماعة من هؤلاء المكلفين؛ لأن الغرض الأساسي للشارع الحكيم من هذا الفرض هو أن يُوجد الفعل المنوط بهذا الفرض، فيكفي فيه أن يؤديه جماعة من المكلفين، فإذا أداه جماعة منهم، سقط عن الباقين، أما إذا لم يؤده أحد منهم، أَثِمُوا جميعًا. ومن الأمثلة على هذا الفرض: الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التعلم والاشتغال بالحرف والصناعات والوظائف التي تحتاجها الأمة، وغير ذلك من الفروض التي تحتاجها الأمة وتتحقق بها مصالحها.
وفي بعض الأحيان قد يصير الفرض الكفائي فرضًا عينيًا على كل مكلف، كالجهاد، ففي بعض الحالات لا يكفي في هذا الجهاد أن يقوم به جماعة من المكلفين، وإنما يتوجب على كل فرد القيام به إذا كان قادرًا، حتى يتحقق الهدف المراد منه.