تخيل أخي المسلم حالك وأنت تطرق ووسائل باب الجنة ، وقلبك يرقص فرحا ، وكيف لا وأنت ستدخل المكان الذي وعد الله تعالى المتقون ، تخيل وأنت يدور في خلدك أنها كاجمل وافضل مكان رأيته في الدنيا خضرة وبناء ، وعلى باب الجنة ملائكة كرام أحبة حسان ، يستقبلونك بالبشرى في وجوههم ، وينادونك بأحب الأسماء اليك ، ثيابهم بيض ، ورائحتهم مسك وعنبر ، وتخيل كيف يفتحون لك الباب بترحيب وسلام ، ويرفعون عن أعينك الحجاب ، فتبرق عيناك ، وينير وجهك فيصبح كالبدر ، وتتسامى نفسك وتستعد لملاقاة الأحبة والتلذذ بالصحبة ، والنظر الى وجه الحسان الحور الكرام ، فتنطلق مسرعا ، وتشدوا مغردا ، كالطير يسرح في جو السماء ، وتحس بجسد أقوى من الحديد وأعتى من جبال الجليد ، وفي نفسك تحس بشهوة كبيرة قد ضوعفت أضعافا كثيرة ، وترى نفسك عالما بالمكان ، مشتاقا الى سكنى الجنان ، قد أبهرتك المناظر والحلي والجواهر ، أينما ألتفت وجدت خضرة وماء وهي مد البصر ، لايسأم منها النظر ، ثم تخيل بعد التجوال في رحاب الجنة أنك تطير في سمائها ، فترى القصور المشيدة ، والآلىء الفريدة ، والغرف المبنية ككواكب الكون المرئية ، ثم بدا لك الذهاب الى بيتك لترى ما أعده الله لك ، فترى نفسك تساق له من غير ارادة ، ولا عناء قيادة ، ملك في أعظم سيادة ، فتبلغ المكان في وسط الجنان ، فتقف عنده وقوف المشتهي الولهان ، فترى بلمح البصر بين يديك المفتاح فتفتح به باب قصرك المصان ، وما ان تدخله وتجتاز العتبة ، الا ويقبل عليك أزواجك الحسان ، يغنين بأحلى الغناء ، وينادينك بأروع الأسماء ، قد لبسن المزعفر والمطرز والمحلى ، فهام قلبك بهن ، ووقفت تنظر اليهن ، متعجبا من جمالهن ، فأقبلت عليهن تقبل أحداهن وتحتضن اخرى ، وهم بين يديك يتلوون ويترنحون ، جباههم تضيء نورا ، وقلبهم يرقص سرورا ، لايرون غير الحبيب فهن قاصرات الطرف ، وهاموا بعشق الحبيب فلايؤنسهن شيء غير قربه ، ولا يرويهن في مجالسهن الا ذكر حبه ، لكل منهن في القصر جزء ومكان ، تدخله بسكون وأمان ، لا تسمع فيه صخب ، ولا يمسك لغوب أوتعب ، لا تسمع من فيهها الا الألحان ، وكلما قضيت منها وطرا عادت بكرا بثوان ، وتقدم نحوك الولدان ، بموائد فيها من الطعام صنوف وألوان ، فتأكل ولا تشبع وتطلب مزيدا ولا تقنع ، لا تمل ولا تكل ، حلاوة الطعام في فمك أحلى من العسل ، تتلذذ بكل صنف لذة لا تشبه الأخرى ، لا يمتلىء بطنك من الطعام ، بل يرشح من جلدك بأروع الروائح ، ثم أقبلت تشتهي وتجول في فكرك الخواطر ، وأنت في فراشك الوثير ، قد لبست الحرير ، وبقربك الحبيبة تشاركك التفكير ، فتذكر لك كذا وكذا من الملذات ، فتتساقط بلمح البصر كحبات المطر ، فتزيد النعيم نعيما ، ثم وأنت منشغل بفض الأبكار وفتح الأسرار ، اذ أقبل عليك ملك بعد استئذان برسالة من الرحمن نصها يا أنسان ( أن اليوم يا عبدي موعد من عندي ، بأن يلتقي الأحبة لرؤية المحبوب ونيل المطلوب ) فتبقى بعد ذلك في روضة وحبور ونشوة وسرور ، حتى يحين الميعاد ، فيجتمع أهل الجنان ، في ضيافة الرحمن ، جلوسا على كثبان ، من مسك وزعفران ، فيأتي الرحمن ويتجلى لعباده ، فيرون الجمال المطلق ، الذي أعطى الخلائق غيضا من الجمال ، فأعطوا الحسنى وزيادة ، فانتشوا فرحا وسعادة ، فشخصت أبصارهم دهشة وسرورا ، وملئت قلوبهم نعيما وحبورا ، فلم يشبعوا من رؤيته ، وهاموا عشقا في رفقته ، فارتجت الجنة بالتسبيح والتقديس ، وهتفت الخلائق بصوت واحد ، ، لا اله الا الله ، فتردد الصدى مرات ومرات ، وقيل الحمد لله رب العالمين .