مقدمة
القرآن الكريم فيه القصّة والعبرة، وفيه سيَر من كانَ قبلنا من الأمم، وقد أورَد الله لنا هذهِ القصص لا لأجل الأشخاص أو الأشياء بذاتها، وإنّما لنستفيد ممّا كان معهم من الأمر ولا نقع فيما وقعوا فيه من الذن ظلموا أنفسهم وكذلك لنقتدي بمن أحسن منهم لعِلمنا بعاقبة الفريقين.
وقصص السابقين كانت مدار الجَدَل لدى الناس وخصوصاً عندما أرادَ اليهود اختبار صِدق رسالة النبيّ محمّد صلّى الله عليهِ وسلَّم وبإيعاز من مُشركي مكّة، حيث وجّه اليهود إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض الأسئلة يُريدونَ لها جواباً، فسألوه عن قصة الفتية الذين خرجوا في الزمن الماضي وتعرف على ما هى قصّتهم وخبرهم، وعن رجلٍ طوّاف بلَغَ مشارق الأرض ومغاربها، وسألوه أيضاً عن الروح، فكانت إجابه هذهِ الأسئلة بأن أنزل الله على نبيه فيها قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة وهي في سورة الكهف، حيث كانَ جواب الفتية بأنّهم أهل الكهف الذين سنتحدّث عنهم في هذا الموضوع، والرجل الطوّاف الذي جابَ الأرض هو ذو القرنين، وأمّا الروح فهي من أمر الله ولا يعلم بها إلا هو جلّ جلاله.
من هم أصحاب الكهف
كانَ العالَم زَمن الحاكم دقيانوس يعيش في ضلالة الشرك وعبادة دون الله عزَّ وجلّ، وفي كُلّ زمان نرَى رجالاً أنارَ الله بصيرتهم بنور الحقّ، وهؤلاء هُم الذين اتبّعوا نقاء فطرتهم ولم يُشوّهوها بدَنس الشرك والضلال، وقد كان من هؤلاء الناس زمن حُكم دقيانوس الضالّ فتيةٌ في ريعان شبابهم، ولاحظ أنَّ قوّتهم وشبابهم وربيع عُمرهم لم يصرفهم عن الحقّ واتباعه، ففي يوم من الأيام بينما كان العالَم الفاجر يحتفل بأحد الأعياد التي تُنتهك فيها الحُرمات ويُدعى فيها آلهةً دون الله هرَب هؤلاء الفتية إلى أحد الكُهوف رغبةً في الخلاص من الكفر والضلال وخوفاً على أنفسهم من البغي والظلم فكانت عِناية الله لهم ورحمته بأن أراح أجسادهم ونفوسهم من مُقارعة الظلمة والكافرين بأن ضرَب عليهم النوم الذي كانَ من آيات الله المُعجزة والدالّة على قدرته جلّ جلاله، واستمرّت فترة نومهم في الكهف لِمُدّة 309 سنوات، حتّى تغيّرت أحوال البلاد وأصلح الله الملك والرعيّة، ولكن لحكمة لا يعلمها إلا الله أن قبَضهم إليه لتكون قصّتهم دليلاً على حِفظ الله لعباده ولِمن لجأ اليه من جور الدنيا وأهلها.
ومن الجدير بالذكر أنَّ القرآن الكريم لم يتطرّق إلى أسماء أهل الكهف كعادة أسلوب القرآن الكريم الذي يُركّز على القصّة والمغزى وليس على الأشخاص والأشياء، وحتّى عددهم ففيه اختلاف فمنهم من يقول أنّهم ثلاثةٌ ومنهم من يقول خمسة ومنهم من يقول سبعة وثمانية، وكانَ معهم كلبٌ يحرسهم في فناء ووصيد الكهف، والراجح لدى أهل التاريخ والآثار أنَّ مكان الكهف هو في منطقة الرقيم الواقعة في مدينة سحاب في الأردن، والله تعالى أعلم.