البرزخ
البرزخ هو الوقت الّذي بين الموت والبعث، قال تعالى: (بينهما برزخ لا يبغيان)، ويرى العديدُ من الباحثين أنّ الإنسان له جَسَدان؛ وهما الجَسَد المادي؛ الذي يَعيش به الإنسان وبعد موته يتحول إلى تراب، والجسد الثاني؛ هو الجسد الأَثيري الذي يَنتقل بالموت إلى عالمٍ أثيريٍ جديد، يَختلف تماماً عن العالم الدُنيوي، وبهذا الجسد تلقى الروح ثوابها أوعقابها.
تبدأ حياةُ البرزخ بعد الموتِ مباشرةً وفض الروح، فأول منزلة تَمرُ بها حياةُ البرزخ هي القبر بعد دفن الإنسان؛ فتبدأ الملائكةُ بالسؤال، وتحديد المصير بين الهلاك أو الجنة، فإن كان المصير للجنة فَيَتوسعُ القبر ويَستبشر العبد بالجنة، وإن كان من الهالكين يضيق القبر ويُصبحُ حفرةً من نار، ويبقى هذا العذاب إلى يومِ البعث؛ فعذاب القبر لأصحاب المعاصي يبقى حسب ذنوبهم.
دلّت العديد من الأحاديث النبوية أنّ الموتى يَلتقون في حياة البرزخ ويَتَكلمون فيما بينهم، وإذا مر أحد الأحياء بالميت وردّ السلام عليه فيصله ويرده إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من أحد يَمُُر بقبرِ أَخيهِ كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام)، وجاء حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر)؛ فالوقاية من عذاب القبر من نصيب المؤمن الذي يموت في يوم الجمعة.
في البرزخ لا يعلم طَبيعة حياةِ الروح إلّا الله سبحانه وتعالى، وهي سرٌ من أسراره، ويعجز العقل البشري عن الوصول إليه، وكلّ ما يدركه الإنسان هي ظواهر وصور الجسد في الحياة، ولو أراد الله تعالى أنْ يُبينَ الحياة بعد الموت في طَبيعتها وبكل تَفاصيلها لأنزلَ من الآيات القرآنية الكريمة المُفصَّلة ما يوضح لنا كل تلك الأمور؛ فالقرآن الكريم هو هَديٌ لكل إنسانٍ يُفكر بعقله تفكيراً سليماً، إلّا أنَّ العقل الإنساني له حدودٌ وقدراتٌ لا يستطيع تجاوزها على الإطلاق، والله تعالى رحيم بعباده؛ فلو عَلِمَ العباد ما يُخفى لأصبحتِ الحياة جحيماً لا يُطاق، وتلَاشت الأهداف والرَّغبات، واختلَّ نِظام الكرةِ الأرضية بأسره، فلكل شيء حكمةٌ في إخفائه أو وجوده.
إنّ حياة البرزخ ليستْ امتداداً لِلحياة الدنيا؛ فهي مُغايرةٌ لها وليستْ على شاكِلتها، وإلّا لَكان الانتقال إليها بالموت عَبَثاً وتِكراراً، وهي أيضاً ليستْ الحياة الأُخروية؛ لأنّ الحياة الأُخروية لها شروطٌ وعلامات، وهي في علم الله تعالى. إنّ الحياةَ البرزخية يَتَحللُ فيها الميت من عَتمته وظلامه، ويَدخل منطقة الروح والحق والنور، ويرى بها ما حُجِبَ عنه في دُنياه، ويُبصر ما غطي عليه.