قيام الليل
يعتبر قيام الليل واحداً من أهم العبادات في الديانة الإسلامية، ومن أكثر ما حثَّ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن تبعه بإحسان من أبناء الأمة، فهذه العبادة كفيلة بأن تنقل الإنسان إلى المراتب العليا عند الله؛ ذلك أن المسلم الذي يتعبد الله في جوف الليل يعتبر الأكثر إخلاصاً، والأكثر تضحية بملذاته الشخصية مقابل التنعم برضوان الله، ونعيمه الذي لا يفنى.
ليست هناك عبادة معينة اقترنت بقيام الليل، فبإمكان قائم الليل التنقل بين أنواع العبادات المختلفة خلال قيامه؛ كالصلاة، وذكر الله، وتلاوة القرآن الكريم، والدعاء. وللدعاء في الليل أهمية وفائدة عالية جداً، وخصوصية لا نظير لها، وفيما يلي بيان ذلك.
استجابة الدعاء في قيام الليل
يعتبر الدعاء واحداً من أهم أنواع العبادات التي تقرب المسلم من الله –عزَّ وجل-، والتي تضفي نوعاً من الراحة والسكينة على قلب المؤمن، فمن يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء في كل صغيرة وكبيرة، يؤمن في قرارة نفسه بأن الله تعالى هو الوحيد القادر على تحسين أحواله نحو الأفضل، وأن كل ما يأتي من عنده خير.
هذا وحده كفيل بامتلاء قلب المؤمن بالاطمئنان، فمهما أصابه من همٍّ، وغمٍّ، وحزن، ومصائب، وظلم، فإنه يعلم أن هناك ربَّاً يراه، ويرعاه، فيستطيع بذلك تجاوز الآثار النفسية السيئة الناتجة عمَّا ألمَّ به، والتي قد لا يستطيع غيره تجاوزها.
للدعاء أثناء قيام الليل ميزة خاصة، نابعة من أن قائم الليل آثر القرب من الله تعالى على الراحة الدنيوية الزائلة، ومن أهم ما أخبرنا به الشرع الشريف عمَّا اختصَّ به الله تعالى من يقوم الله استجابة الدعاء، ولا غرابة في ذلك، فقد استحقَّ هذا الإنسان ذلك عن جدارة.
من أبرز الآثار النبوية الواردة التي نقلت إلينا هذا المعنى، قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، في الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله –رضي الله عنه-: (إنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله خَيْراً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ).
هذا يؤكد على أن الليل هو من احسن وأفضل أوقات اليوم التي إن التزم المسلم بعبادة الله تعالى فيها سعد في الدنيا والآخرة. هذا وتبدأ فترة قيام الليل من بعد انتهاء صلاة العشاء، إلى أن يطلع الفجر، أما احسن وأفضل الأوقات فتكون في آخر ثلث من الليل، لهذا فمن المستحسن أن يكثر الإنسان من الدعاء في هذه الفترة من الليل، بالإضافة إلى الفترات الأخرى -إن استطاع ذلك-.
كان الصالحون ولا يزالون إلى يومنا هذا يحرصون على قيام الليل، والدعاء في هذه الساعات المباركة، وأول هؤلاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، الذي علَّمنا ضرورة أن يفرد المرء جزءاً من وقته ليلاً من أجل أن يرتقي روحياً، فيعلو في منزلته عند الله تعالى، وينال رضوانه، فيصير مصدراً من مصادر الخير والبركة –بإذن الله تعالى- إن هو أخلص في العبادة، ووجه جوارحه وحواسه إلى الله.