يحتاج الإنسان إلى معرفة الثقافات المختلفة التي تتمتع بها دول العالم المتعدّدة، لذلك، يحاول الإنسان السفر إلى هذه البلدان والتعرف عليها عن قرب، ومن هذه الدول التي تمتلك التاريخ الحافل والثقافات المتنوعة، دولة روسيا الاتحادية، وتعتبر هذه الدولة أحد الأركان التاريخية والسياسية الكبيرة التي أثرت على الكثير من الأمور التاريخية العظيمة، والزائر لهذه الدولة قد يلاحظ الكثير من التنوع الثقافي واللغوي بين الأفراد الذين يقطنون في هذه الدولة، لذلك، سنحاول التعرف في هذا الموضوع على روسيا الاتحادية، وتعرف ما هو موقعها الجغرافي؟ وسنحاول التعرف أيضاً على التاريخ القديم والحديث لروسيا الاتحادية، وتعرف ما هو موقعها السياسي والاقتصادي في الوقت الحالي.
موقع روسيا الاتحادية الجغرافي
تعتبر روسيا الاتحادية أكبر بلاد العالم من حيث المساحة الجغرافية، حيث تبلغ مساحتها ما يزيد عن 17 مليون كيلومتر مربع، وتعتبر أيضاً تاسع أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكان روسيا الاتحادية ما يزيد على 145 مليون نسمة يقطنون على أرضها، وتمتلك روسيا الاتحادية حدود مشتركة مع بعض الدول الأوروبية، مثل: أوكرانيا، وجورجيا، وبولندا، ولاتفيا، واستونيا، وليتوانيا، والنرويج، وروسيا البيضاء، وتمتلك روسيا الاتحادية أيضاً حدود مشتركة مع بعض الدول الآسيوية، مثل: الصين، وكازاخستان، وأذربيجان، وكوريا الشمالية، ومنغوليا، لذلك، فإنّها من أكثر دول العالم التي تمتلك هذا العدد الكبير من دول الجوار، فلا يمكن أن نعتبر روسيا تقع ضمن قارة آسيا أو ضمن قارة أوروبا؛ لأن بعض المناطق الجغرافية التي تمتلكها تقع ضمن القارة الأوروبية وبعض المناطق الأخرى تقع ضمن القارة الآسيوية، لذلك فقد اعتبرها علماء الجغرافيا من أحد البلدان التي تقع ضمن قارة أوراسيا، والتي تعني القارتين مجتمعتين.
تاريخ روسيا الاتحادية
تمتلك روسيا الاتحادية تاريخاً حافلاً بالأحداث والإنجازات السياسية والعلمية والاقتصادية، حيث بدأ التاريخ القديم لروسيا حينما وصل إليها السلاف الشرقيين الذين قاموا بالنزوح إليها في القرن الثالث الميلادي، ثم قاموا بتأسيس إمارة روسيا كييف، حيث كانت كييف التابعة حالياً لأوكرانيا هي العاصمة الخاصة بإمارة روسيا كييف، وقام هؤلاء النازحون باعتناق المسيحية الأرثوذكسية ديانة لهم، ويعود هذا الاعتناق بسبب التأثير ونتائج الكبير الذي كانت تمارسه الإمبراطورية البيزنطية على هؤلاء السلاف الشرقيين، ثم ما لبثت هذه الإمارة سوى وقت قليل حتى تعرّضت للغزو المغولي الهائل، والذي قام بتدميرها ونزع أركانها، ثم حاولت هذه القبائل إعادة بناء هذه الإمارة من جديد حتى تكونت روسيا، وبحلول القرن الثامن عشر الميلادي تم تحويل هذه الإمارات الروسية إلى الإمبراطورية الروسية العظمى بعد القيام بالكثير من الحروب والتوسعات، وبذلك كانت هذه الإمبراطورية أحد أكبر وأقوى الكيانات الموجودة في ذلك الوقت، ثم بعد مضي السنوات العديدة أصبح يحكم هذه الإمبراطورية العظيمة الكثير من الرجال الفاسدين الذين لم يعيروا أي انتباه للشعب الذي يتحكمون بمصيره وبقوت يومه، ممّا أدى إلى محاولة الكثير من الشعب الذي كان يسكن في تلك الإمبراطورية للقيام بثورة كبرى، تغير الكثير من الملامح الرئيسية للإمبراطورية الروسية، وتحاول أن تستعيدها من حكامها الفاسدين، مما أدى إلى وقوع الثورة البلشفية.
الثورة البلشفية وقيام الاتحاد السوفيتي
بعد انتهاء الإمبراطورية الروسية بسبب ثورات الشعب المتتالية عليها تم تعيين الحكومة الروسية المؤقتة، التي كان هدفها عودة الأوضاع السياسية إلى الهدوء، ومنع قيام الحرب الأهلية في داخل البلاد، ثم ما لبثت أن فشلت هذه الحكومة بعد قيام ثورة أكتوبر، وحدوث الحرب الأهلية بين البلاشفة بقيادة فلاديمير لينين ومساعده الرئيسي جوزيف ستالين ،والتي كان الجيش التابع لها يُطلق عليه الجيش الأحمر، أمّا طرف المواجهة الآخر فقد كانت الحركة البيضاء، التي كانت تضم الرجال المعادين للشيوعية والبلشفية، وكان جناحها العسكري يُطلق عليه الجيش الأبيض، وكان هدفها الرئيسي هو عودة الملكية الدستورية إلى روسيا، وبسبب الدعم الكبير للبلاشفة من قِبل الشعب الروسي، والكره العظيم الذي كان يسود الشعب للملكية والقيصرية، انتصرت الثورة البلشفية بقيادة لينين، وكان هذا الأمر هو بداية تأسيس الاتحاد السوفيتي في عام 1922م، وبعد وفاة فلاديمير لينين في العام 1924م، أُعلن تنصيب جوزيف ستالين رئيساً جديداً للاتحاد السوفيتي، الذي يعتبره البعض المؤسس الحقيقي للاتحاد السوفيتي، إذ قام بالعديد من الثورات الصناعية والاقتصادية الهائلة التي جعلت هذا الاتحاد أحد أقوى الكيانات على مر التاريخ، لكن الصراع الضخم الذي دار بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، فيما كان يُعرف بالحرب الباردة والنزاعات السياسية في داخل الاتحاد نفسه، ومحاولة الكثير من الدول التي كانت ضمن الاتحاد امتلاكها للاستقلال الذاتي، والتمتع بمصادرها ومواردها، أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991م، حيث كان يحكمه في ذلك الوقت ميخائيل جورباتشوف، وأدى ذلك إلى تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره إلى عدة دول، ولكن روسيا الاتحادية هي التي كانت تعتبر الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، مما جعلها المالك الوحيد للترسانة العسكرية والنووية لذلك الاتحاد المنهار.
اقتصاد روسيا الاتحادية
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي انتقلت روسيا الاتحادية من الاقتصاد المركزي الشيوعي إلى الاقتصاد الحر المعتمد بشكلٍ رئيسي على السوق المفتوح والملكية الخاصة الفردية، حيث إنّ روسيا الاتحادية تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة، فهي تعتمد بشكلٍ كبير على تصدير النفط والغاز إلى دول العالم وخاصة دول الاتحاد الأوروبي، ونلاحظ في هذه الفترة التي تم فيها كتابة هذا الموضوع الانهيار الكبير الذي يحدث للاقتصاد الروسي؛ بسبب قيام الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بزيادة الصادرات النفطية لبلدان العالم، ممّا أدى إلى الانهيار الكبير الذي وصلت له أسعار النفط في الأسواق العالمية، وكان السبب الرئيسي في هذا الانهيار هو قيام الولايات المتحدة باكتشاف ما يُطلق عليه بالنفط الصخري، الذي جعل من الولايات المتحدة أكبر الاحتياطات النفطية في العالم، وربما تتفوق على المملكة العربية السعودية، ولا شك أن الاقتصاد الروسي يعتمد أيضاً على الكثير من الصناعات غير النفطية، مثل: تصدير السلاح، والصناعات الخاصة بالفضاء، والهندسة النووية.
عملة روسيا الاتحادية
العملة المتداولة في روسيا الاتحادية هي الروبل الروسي، تم تسمية الروبل بهذا الاسم منذ القرن الثالث عشر الميلادي، حيث بدأت إمارة موسكو بالعمل في هذه العملة، وحتى انهيارها في القرن الخامس عشر الميلادي، ثم استكملت الإمبراطورية الروسية استخدام الروبل كعملة نقدية لها حتى القرن السابع عشر الميلادي، واستمر العمل باستخدام الروبل في الاتحاد السوفيتي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تحاول روسيا الاتحادية تغيير العملة النقدية، وإنّما استمرت باستخدام الروبل، أما هو سبب التسمية فيرجح البعض من الباحثين التاريخيين أن كلمة روبل مشتقة من فعل (روبيت) الذي يعني في اللغة الروسية (قِطَع)، وكان أصحاب هذه الفكرة هم أهالي مدينة نوفغورد الروسية التي تقع على ضفاف نهر فولخوف.
قيمة الروبل الروسي
بسبب الوزن الكبير الذي كان يملكه الاتحاد السوفيتي المنهار، فإنّ الروبل الروسي كان أحد العملات الرئيسية العالمية، إن لم يكن من أقوى تلك العملات، ولكن بعد حدوث الانهيار السوفيتي انخفضت قيمة الروبل الروسي كثيراً، ومع عودة قوة روسيا الاتحادية من جديد فإنّ قيمة الروبل أخذت بالازدياد والتنامي من جديد، أما في الوقت الحالي فقد انخفضت قيمة الروبل الروسي أمام الدولار الأمريكي بشكلٍ كبير؛ بسبب الكثير من العوامل، أبرزها ما تحدثنا عنه سابقاً في هذا الموضوع من الانخفاض الشديد في أسعار النفط في الأسواق العالمية، وقيام الولايات المتحدة باكتشاف النفط الصخري الذي قد يؤدي بها إلى الحصول على أكبر احتياطي من النفط العالمي.