حجة الوداع
في السنة العاشرة للهجرة حج النبي عليه الصلاة و السلام حجة سميت حجة الوداع ، و قد سميت بهذا الاسم لأنه ودع الناس فيها ، و قد حج الرسول صلى الله عليه و سلم بزوجاته كلهن و بكثير من الصحابة ، و كان كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله ، فأبطل عليهم شعائر الجاهلية و علمهم المناسك ، و قال صلى الله عليه و سلم في خطبته
وإن رِبَا الجاهلية مَوْضوع، وإن أوّل ربا أبدأ به ربا عمّي العبّاس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهليَّة مَوْضوعة، وإن أول دَم أبدأ به دَم عامر بن رَبيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإنّ مآثر الجاهلية موضوعة غير السّدانة والسّقاية. والعَمْدُ قَوَد، وشبْه العمد ما قُتل بالعصا والحجر، ففيه مائة بعير، فمَن زاد فهو من أهل الجاهلية. أيها الناس، إنّ الشيطان قد يَئسْ أن يُعبد في أرْضكم هذه ولكنه رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تُحَقِّرون من أعمالكم.
أيها الناس، إنّما النّسيء زيادة في الكُفر، يُضَل به الذين كَفروا، يُحلّونه عاماً ويُحَرمونه عاماً، ليُواطئوا عدّة ما حَرّم اللّه، وإنالزمان قد استدار كهيئته يوم خَلق اللّه السموات والأرض، وإن عدّةَ الشهور عند اللهّ اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق، السموات والأرض، منها أربعة حُرم، ثلاثة متواليات، وواحد فرد، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الذي بين جمادي وشعبان، ألَا هل بلّغت، اللهم أشهد.
أيها الناس، إنّ لنسائكم عليكم حقَاً، وإنّ لكم عليهن حقّاَ، لكم عليهن أن لا يُوطِئن فَرْشَكم غيركم، ولا يُدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلاّ بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن اللّه قد أذن لكم أن تَعْضُلوهن وتَهْجروهن في المَضاجع وتضربوهن ضرباً غير مُبرِّح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رِزقُهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عَوَار لا يملكن لأنفسهن شيئاً، أخذتموهن بأَمانة اللّه، واستحلَلتُم فُروجهن بكلمة اللّه، فاتقوا اللّه في النساء واستوصوا بهن خيراً.
أيها الناس، إنما المؤمنون إخوة فلا يحل لامرئ مالُ أخيه إلاّ عن طِيب نفسه، ألا هل بلّغت، اللهم أشهد. فلا تَرْجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تَضلّوا: كتابَ اللّه، ألا هل بلَّغت، اللهم أشهد.
أيها الناس: إنّ ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلُكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمُكم عند اللّه أتقاكم، ليس لعربيّ على عجميّ فَضل إلّا بالتقوى، ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم؟ قال: فَلْيبلغ الشاهد منكم الغائب أيها الناس، إن اللّه قد قَسم لكل وارث نصيَبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصية ولا تجوز وصية، في أكثر من الثّلث، والولدُ للفراش وللعاهر الحَجر، من ادَعى إلى غير أبيه، أو تولّى غَير مواليه، فعليه لعنةُ اللّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللّه منه صَرْفاً ولا عدلاً. والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
و نزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم حينها الآية الثالثة من سورة المائدة (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا) و قد كان نزولها في يوم عرفة بعد العصر و الرسول صلى الله عليه و سلم واقف بعرفات ، و كان ذلك في يوم جمعة
حين سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك بكى ، فإنه لم يكمل شيء إلا نقص قال الرسول حينها : صدقت عاش الرسول عليه الصلاة و السلام حينها ثلاثة أشهر و لم ينزل بعدها حكم من حلال أو حرام أو غيرها من الأحكام