مُقدِّمة
الصّحابي الجليل أبو ذر، واسمه جندب بن جنادة الغفاري، أحد السابقين الأولين من صحابة النَّبي محمد صلى الله عليه وسلم، قيل أنّه خامس مَن أسلم من الصَّحابة، وقد كان يفتي في عهد خلافة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان. كان ضخم الجسم، كث اللحية، آدم البشرة. تُوفِّي بالرَّبَذَة سنة 32هـ الموافق 652م.
قال عنه النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ، وَلَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ مِنْ ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ، وَلَا أَوْفَى مِنْ أَبِي ذَرٍّ شِبْهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَالْحَاسِدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَتَعْرِفُ ذَلِكَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَاعْرِفُوهُ لَهُ)
قصَّة إسلامه
ورد عن الصَّحابي ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو ذر: كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلِّمه وَأْتني بخبره. فانطلق فلقيه، ثم رجع فقلت: ما عندك؟ فقال: والله لقد رأيت رجلاً يأمر بالخير، وينهى عن الشر. فقلت له: لم تشفني من الخبر. فأخذت جرابًا وعصًا، ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. قال: فمر بي عليٌّ ، فقال: كأن الرجل غريب؟ قال: قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل. قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء.
قال: فمر بي عليٌّ فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: لا. قال: انطلق معي. قال: فقال: ما أمرك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت عليَّ أخبرتك. قال: فإني أفعل. قال: قلت له: بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه. فقال له: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه فاتبعني، ادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحدًا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامضِ أنت. فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي، فقلت له: اعرض عليَّ الإسلام. فعرضه فأسلمت مكاني، فقال لي: "يا أبا ذَرّ، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل".
فقلت: والذي بعثك بالحق لأصرخَنَّ بها بين أظهرهم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فقاموا فضُربت لأموت، فأدركني العباس فأكب عليَّ، ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم وممركم على غفار. فأقلعوا عني، فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فصُنع بي مثل ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكبّ عليَّ، وقال مثل مقالته بالأمس.