عندما بدأت الدعوة الاسلامية ، كانت العرب مترددة في الدخول في الدين الجديد ، فدين الأباء والاجداد أولى بأهله ، وأولى بأصحابه ، فبدأت الحياة بالتناقض ، ورغم الإقتناع الكبير من العرب بوجود نبي لله على الأرض ،من العرب إلا أنهم كانو يتغابون ، ويعيبون في الدعوة ، خوفاً على تجارتهم ، وعلى حياتهم التي اعتادوها ، فما عادت للحياة أهمية وفائدة بعد تلك الحادثة ، سوى الانتهاء والتخلص من النبي صل الله عليه وسلم .
ورغم أنّ النبي لم يكلف بأمره بنفسه ، وإنما كلفه به الله سبحانه وتعالى ، فلاقت دعوته بالرفض ، وبدأت الحشود تتأمر عليه ، وكانت القلة القلائل الذين أسلموا مع النبي ، هم من الفقراء والمحتاجين ، والمستضعفين ، الذين هربوا من بطش قريش ليجدوا الملاذ الامن في الدعوة الاسلامية الجديدة .
وكان النبي معروف بين العرب بأخلاقه الرفيعة فهو لا يكذب أبداً ولا يمكن أن يتفوه بأمور لا تعنيه ، وإنما كان الأمر من الله أن يبدأ بالسؤال عن الناس الذين سيهديهم الله لدينه الحنيف ، وكان من بين هؤلاء الناس ، هو سعد بن معاذ ، و هذا الصحابي الجليل ، استطاع أن ينفذ من بطش أهل قريش ، وأن يسلم مع النبي في الوقت المناسب ، قبل الهجرة بقليل ، فبدأ بالتقرب من النبي صل الله عليه وسلم ، ينهل منه العلم ، ويعمل مع النبي في كل أمور الدين ، والدنيا ، حتى أنه كان ملازما للنبي في كثير من أوقاته ، واستطاع أن يكون الأمين المطيع بين الناس على الدعوة ، فاسلامه كان مكسبا كبيرا للدعوة الاسلامية في ذلك الوقت ، فسعد بن معاذ من الناس الذين يعتبروا من كبار قريش ، وكبار أهلها ، فكانت قبيلته تحترمه ، وتقدره ، إلا أنه قرر أن يتخلى عن هذا كله في سبيل الحصول على فرصة الجلوس بجوار النبي ، والاستماع إلى الدين الحنيف ، والبشرى التي جاء بها النبي من مكانه ، إلى باقي الأنحاء في شبه الجزيرة العربية .
ولما قرر النبي الهجرة إلى المدينة المنورة ، قرر سعد بن معاذ أن يتخلّى عن كل الأعمال وكل الأموال التي كانت بحوزته ، ومشى خلف النبي بطرق وخطوات واثقة ، لا تحمل إلا معانٍ الحب والوجد للدعوة وللنبي ، وعلى الرّغم من ذلك إلا أن النبي كان يكن له المعزة الخاصة ، فهو كان بمثابة ابن للنبي صل الله عليه وسلم ، لآنه كان يكبره بأكثر من عشرين عاماً ، وبقي محافظاً على وعده للنبي في مكة ، وفي المدينة ، واختار أن يعيش حياة التقشف مع المسلمين ،حتى توفاه الله في السنة الخامسة للهجرة .