عدّ الله سبحانه وتعالى قضيّة الإصلاح بين النّاس من الأمور التي يؤجر الإنسان عليها في الدّنيا والآخرة ، قال تعالى ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين النّاس ) ، فالإصلاح بين النّاس من الأمور المهمّة التي جاء الإسلام لتحقيقها ، ذلك بأنّ الخلاف بين النّاس واردٌ أحياناّ كثيرة في مواقف شتى لاختلاف طبائع النّاس وصفاتهم ، وبالتّالي يحدث الاختلاف نتيجة ذلك ، ومن مقاصد الشّريعة تخفيف الخلاف بين النّاس وأن لا يصل إلى مرحلةٍ لا يحمد عقباها حيث تكون الشّحناء والبغضاء التي حرّمها الله تعالى ، فلا يجوز كما بيّن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتطوّر الخلاف بين الأخوين إلى درجة القطيعة بينهما حيث لا يقبل الله منهما في هذه الحالة دعاء حتى يصطلحا ، كما بيّن النّبي الكريم أفضليّة من يبادر أخاه إلى التّصالح بقوله وخيرهما من يبدأ بالسّلام ، ولكي نحقّق التّصالح بين متشاحنين يجب أن نتبع وسائل حكيمة في ذلك منها :
أن يتذكّر الإنسان أن الله تعالى ولتأكيد أهميّة الصّلح والتّصالح بين المتشاحنين قد أجاز لأجل تحقيق ذلك ما لا يجيزه من الوسائل في مواقف أخرى مثل النّميمة بالخير فيأتي وسيط الإصلاح إلى أحد طرفي الخلاف ويقول له إنّ فلان يقول عنك ويذكرك بالخير دائماً ويذكر له كذا وكذا من الكلام الحسن ، ولا شكّ بأنّ هذه الوسيلة هي أنفع وسيلةٍ في تحقيق التّصالح بين النّاس وإزالة ما هى اسباب الخلاف بينهم .
أن يتعرّف الإنسان السّاعي للإصلاح بين النّاس إلى صفات كلّ طرفٍ من أطراف الخلاف حتى يستطيع تبين الوسائل التي تنفع لتحقيق الاصلاح بينهم ، فبعض النّاس يكون سهلاً تؤثّر فيه الكلمة الصّالحة والموعظة الحسنة ، بينما ترى بعض النّاس يفيده التّرهيب والتّخويف من نتائج الخلاف والتّشاحن .
أن يستمع السّاعي بين النّاس بالإصلاح إلى كلّ طرفٍ من أطراف الخلاف ، فالقاضي وحتى يحكم بالعدل بين النّاس يجب عليه أن يستمع إلى كلّ طرفٍ من الأطراف حتّى يخرج حكمه عادلاً ، وكذلك حال السّاعي للإصلاح يجب عليه أن يستمع لكل طرفٍ من الأطراف وأن يعرف ما هى اسباب الخلاف بينهم ، فإذا عرف السّبب كما يقال بطل العجب ، ومن ثمّ يسعى لأن يحقّق معطيات التّوافق بين النّاس متّخذاً شعار المصلحين ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) صدق الله العظيم .