منذ آدم – عليه السلام – إلى يومنا هذا، تطورت المعتقاد والأفكار بشكل كبير يوماً بعد يوم وجيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن وألفية بعد ألفية، ونتيجة لهذا التطور، لم تخل البشرية من تعصبات لهذه المعتقدات والأفكار والأديان، حيث أن هذه التعصبات أخرجت أقبح ما في الإنسان، فبدأ الصدام بين الأديان، والذي يظن الناس أنه فعلاً صدام بين الأديان، ولكنه في حقيقة الأمر صدام بين التعصبات والعقول المنغلقة التي تحاول كل واحدة منها إثبات تميزها، فالأديان إذا جردناها من كل ما أحيط بها خلال الأيام والسنين سيلمع جوهرها ويسطع وتتخذ أشكالاً جميلة غير متناحرة بل متكاملة ومتطور، فالدين عند الله واحد لكن التشريعات مختلفة، وعيب كبير على الإنسان أن يقارن التشريعات بالدين، فالتشريعات متغيرة بينما الدين ثابت، ولكن الإنسان لم يع هذع الفكرة وأصر على إنزال التشريع مقام الدين، فظهرت الحروب التي تقوم على مبادئ العصبية والانغلاق والتي قتلت ما قتلت من الناس والذين يقدر عددهم بالملايين. ولا يعنينا في هذا المقام من الظالم ومن المظلوم، لأن درس التاريخ أخبرنا أن مظلوم الأمس هو ظالم اليوم، فالكل سواسية في القتل والتنكيل باسم الدين ولكن بدرجات متفاوتة تتفاوت بحسب نسبة التعصبات والأخلاق المنتشرة في المجتمعات.
هذه الملايين التي ذهبت ضحية هذه الحروب، هي من يمكن أن توصف بأنها ثبتت على دينها، ولم يأت هذا الثبات من فراغ بل لافتناع تام بأن منهجها هو المنهج الحق ولكن من غير تعصب كما في حالة القتلة، فالضحايا يعترفون بحق الآخرين في التفكير وفي الاعتقاد ويتعايشون معهم ويستفيدون منهم في كافة المجالات ومنها المجالات الدينية، وما هذه العادات المختلطة بين أتباع الديانات المختلفة والذين يعيشون على أرض واحدة وتظلهم سماء واحدة إلى لأن الناس يستفيدون من بعضهم البعض.
وفي حال تعرض الإنسان لخطر يلاحقه من هؤلاء المتعصبين، فيحب أن يكون واثقاً كل الثقة من صحة منهجه، وبان حريته في الاعتقاد لا يمكن لأحد أن يساومه عليها حتى ولو دفع حياته ثمناً للاعتقاد، كما ويتوجب على الإنسان الذي تهدده مثل هذه الأخطار أن يتحلى بالشجاعة التامة والثقة بالنفس، وأن يدافع عن فكرته حتى آخر رمق ونفس يمتلكه، وأن يتوجه إلى الله تعالى بطلب نصرته وتأييده، لأن الله تعالى هو رب العالمين وهذه الثقة تبعث في نفس الإنسان راحة كبيرة وتريحه من عناء ضخم، حيث يعلم أن الله هو العادل وأنه سينتقم من كل من ظلمه وأجبره على تغيير معتقده ولو بعد حين.