مقدّمة
عند البحث في الغيبيّات بتفصيلاتها، ووضعها تحت مجهر العقل والتمحيص بشكل مبالغ فيه، تزداد الأمور صعوبةً وتعقيداً؛ ببساطة لأنّها غيبيّات لم يرها أحد، بل تناقل الأجيال وصفَها على شكل رواياتٍ، منها الصحيح ومنها المجتزأ وكثير منها المبتذل، ونحن هنا لسنا بصدد تصنيف الصحيح من غير الصحيح، أو تزكية نصّ على نصّ، بل نريد تفكيك خيوط هذا اللغز (كم تبلغ مساحة الجنّة) لحلّه.
الجنة
تتفق الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، والمسيحية، والإسلام على وجود حياة بعد الموت، فإمّا أن يَنجو الإنسان بدخوله الجنة (وفي المسيحيّة تسمى الملكوت أو السماء)، أو يهوي إلى جهنّم فيدخل النار، والجنّة بوصفها العام هي مكان يسكنه المؤمنون الصالحون، يحيون بها حياة أبدية، لا يعكر صفو مزاجهم معكّر، ويحصلون على ما يتمنون ممّا لذّ وطاب دون أن يُتخِمَهم الطعام والشراب، أو يعيبهم المرض، وكذلك ينعمون برضى الله.
المساحة
بما أنّ الجنّة مكان فهي -إذن- ذات طول وعرض وارتفاع، ولحساب مساحتها يجب أن نعرف طولها وعرضها فيكون حاصل ضربهتعرف ما هو المساحة، غير أنّه لم ترد نصوصٌ توضّح هذه القياسات فقال تعالى في محكم تنزيله: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) آل عمران 133، نجد هنا أنّ النصّ حدّد العرض ولم يحدد الطول، وعلى الرغم من ذلك، لم يَصف هذا العرض بمقاييسنا الماديّة كالمتر والكيلومتر والسنة الضوئية.
المفهوم وتعريف ومعنى المادي والنص الغيبي
هناك خلط بين المفاهيم المادية والمفاهيم الغيبة، فسؤال مثل: (كم تبلغ مساحة الجنّة)، هو مثال على ذلك الخلط! المفهوم وتعريف ومعنى المادي هو ما تستطيع حواسنا الخمس الشعور به بشكل مباشر مثل: رؤية غروب الشمس، أو غير مباشر مثل: الاستدلال على وجود ذرّات تحوي إلكترونات تدور حول نواتها، عن طريق تجارب مخبرية محكمة.
بينما النصّ الغيبي هو نص مقدّس (حسب اعتقاد معتنقي هذا الدين أو ذاك)، يجب الإيمان به كما هو، بكامل قداسته، دون الخوض في تفاصيله، فقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بالغيب كما في سورة البقرة: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، وعليه، فليس بالامكان قياس أو معرفة مساحة الجنة.
المسافات في الحياة الآخرة حسب الوصف الإسلامي
- جاء في حديث "صنفان من أهل النار لم أرهما" ما نصّه: (...لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).
- جاء في الصحيحين: (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام وما يقطعها).
- توجد في الأدبيات الإسلامية المتداولة ما فحواه محاولة جبريل قياس عرض الجنة، لكنه لم يستطع لعظم مساحتها.
- ورد عن الشيخ ابن عثيمين قوله إنّ الجنة يتساوى بها الطول مع العرض، وأنها ليست مربعة بل دائريّة.