في غمار الحياة الذي وجدنا أنفسنا به، نُصادف ألوانا عديدة من الأحداث والمواقف، نجرّب الفرح ونتجرّع الترح، ولا يخلو رصيد أي منا فيها من المصائب والكروب، فتعرف ما هو المعنى الحقيقي لكلمة كرب ؟ ولماذا تأخذنا هذه الكلمة إلى بقايا أوقات مريرة مررنا بها ؟
ترتبطُ هذه الكلمة بكلمات وعبارات من مثل : حزن، مصيبة. وهي من المفردات التي تملك وقعاً سلبياً في أذن سامعها، ويأتي تعبير كلمة "الحزن " بوقع سلبي معنويٍ بحت، أما تعبير كلمة "المصيبة" فيأتي بوقع سلبي مادي بحت، أما الكربُ فبينهما، إذ يدلّ على أثر سلبي مادي ومعنوي في آن واحد، كمثلِ رجل مهموم لأنه يعاني الكثير من الديون وكساد عمله، الجانب المادي هنا هو الديون وكساد عمله أم الجانب المعنوي هو الهم الذي لحق به، فنقول: هذا الرجل مكروب أو أصابه كرب.
وقيل في معنى الكرب أنّه الحبل الذي يُشدُّ من جهتين، تخيّل مقدار الضغط الذي يتعرض له هذا الحبل، لعلّه الشعور المؤلم ذاته الذي يُداهمك حين يصيبك كرب ما فتشعر بأنّك تتمزق بشدة دون أن تتمزق، فيا لبلاغة اللغة العربية ودقة تعبيرها.
وكي نتمكّن من الإحاطة بمعنى الكرب لا بد لنا من المرور بإيجاز على أنواعه وعلاجها، فهي نوعان؛ الكروب التي تُعنى بأمر العلاقات الإجتماعية، كمشاكل وعيوب العائلة والأقارب والجيران، والكروب التي تُعني بالجانب الإقتصادي، وتشمل العمل والديون وأسعار الأسهم وما إلى ذلك، ومن سبل علاج و دواء النوع الأول تطبيق قوله تعالى : "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"، وعلاجه بشكل عام العمل الدؤوب والصبر والتحلّي بالحكمة، فمن كُبرى الشركات ما أعلنت افلاسها ثم قامت من جديد بقوة أكبر من ذي قبل.
وتأتي أهمية وفائدة محاربة الكرب من البداية أنّه أن إستمرت الأيام بصفعنا وتراكمت الأحزان والكروب فوق رؤوسنا نصبح عرضة للكآبة، والتي أصبحت ظاهرة متفشية في الفترة الأخيرة، خاصة عند المراهقين، والتي تجعل الجسم ضعيفاً بعكس السعادة والتي تقوي مناعة الجسم، كما أنّ الإنسان السعيد أكثر نجاحاً من الإنسان التعيس، وكما قالها خبير التنيمة البشرية د.ابراهيم الفقي السعادة تجلب النجاح وليس النجاح من يجلب السعادة، لذا ما بين الحين والآخر لنرفه عن أنفسنا، لنأخذها برحلة إلى مكان تحبّه، الحياةُ أقصر من أن نقضيها مغيبين عن الحقيقة، إننا لا نملك الوقت للحقد والضغينة والانتقام، لكن في غمار الحياة ننسى أحيانا من نحن وننسى ماذا كنا نريد، لنذكّر أنفسنا إذا نسينا بأننا نستحق السعادة ما دمنا على حق.
ومن منّا لا يعيش في كرب ما بين الحينِ والآخر، لنتعلّم إذن كيف نتعامل معه، ونتقبّله، وندرك أنّه أتى ليذهب ولم يأتي ليبقى، لنصنع من كروبنا سعادة ولنخرج منها أقوى مما كنا عليه. قال عز وجل :"اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"، صدق الله العظيم.