خلق الله تعالى مخلوقاته لغايةٍ واضحة وظاهرة، وخلق الإنسان ليكون خليفةً في هذه الأرض يقوم بإعمارها والعناية بها وبكافّة المخلوقات الأخرى، وحتّى يقوم الإنسان بهذه المهمّة فهو بحاجةٍ ماسّةٍ إلى أن يكون حرّاً حريّةً مطلقة؛ فالحرية هي أهم شيء في هذا الوجود، إلّا أنّ هذه الحريّة تتوقف عندما تستحيل إلى اعتداءٍ سافرٍ على الناس الآخرين، وعلى حيواتهم، وعلى ممتلكاتهم، وعلى أعراضهم أيضاً. لم تكن الحريّة يوماً ما ترفاً؛ فالإنسان خُلق وأعطي الحريّة كأداة أساسيّة وحاضنة لباقي الأدوات الأخرى؛ حيث يستطيع بها الوصول إلى غاياته الّتي يطمح إليها.
الحرية والإبداع
لا يمكن للإبداع أن يتواجد في حياة الإنسان دون وجود الحريّة؛ فالإبداع لم ولن يتواجد دون هذه القيمة الحياتيّة العالية، لهذا السبب نجد أنّ الفنانين – على سبيل المثال - في بعض مناطق العالم، وبسبب وجود قيود معيّنة عليهم، فإنّ إنتاجهم الفني يتميّز بانحصاره ببعض المواضيع المعيّنة، هذا عدا عن قلّته الشديدة مقارنةً بتلك المناطق في العالم التي تمتاز بوجود حريّةٍ في التعبير لديها كبيرة جداً. من هنا يمكن لنا أن نلحظ أنّ العلاقة بين الحريّة والإبداع هي علاقة طردية.
الحرية أساسية وليست ثانوية
للأسف الشديد، عندما تذكر كلمة الحريّة في مجتمعاتنا العربية، فإنّ أول ما يتبادر إلى ذهن الإنسان الّذي يعيش في هذه المجتمعات هي الأمور المخلّة بالآداب العامة فقط، ويتجاهلون أنّ الحرية تعني القدرة على التعبير دون قيود، والقدرة على التفكير دون عوائق، والقدرة على الإبداع دون مخاوف، والقدرة على العيش باحسن وأفضل طريقة ممكنة. كلّ هذه الأمور تتلاشى مباشرةً أمام كلمات وعبارات مثل (عيب، حرام،... إلخ) كلّ هذه الكلمات وعبارات تتناقض على طول الخط مع مبدأ الحريّة الواسع الّذي يؤمن وعلى الدوام بالتطوّر والتقدّم لدى كافة الأفراد الّذين يعيشون في مثل هذه البيئة.
الحريّة والأفكار
من أهمّ ما توفّره الحرية لكافة الناس سلاسة تناقل الأفكار؛ فالأفكار تنتقل باحسن وأفضل طريقة عندما تتوافر الحريّة، وتناقل الأفكار يعني وبكلّ بساطة تناقل الخبرات، والمعارف، والمعلومات، وكافّة أنواع العلوم المختلفة، من هنا تكمن أهميّة الحرية في أنّها هي الوحيدة القادرة على إحداث ثورات كبيرة جداً في المنطقة التي تتواجد فيها؛ فالتطوّر والرقيّ لا يتوفّران لشعب ما إلّا إن امتلك الشعب حريّته، وامتلاكه لحريته لا يكون إلّا عن طريق إدراك أنّه هو أساس نشوء الدولة، وأنّ المبتدأ منه والمنتهى إليه في كل صغيرة وكبيرة. الشعب الذي يدرك هذه الحقائق سيرتقي ويتطوّر وبشكل لم يكن ليتوقّعه.