صحابة الرسول عليه السلام
(خَيرُ النَّاسِ قَرني ، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم ، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم ، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم ثلاثًا ثمَّ يجيءُ قُومٌ مِن بعدِهِم يتسَمَّنونَ ويحبُّونَ السِّمنَ يعطونَ الشَّهادةَ قبلَ أن يُسْألوها) الترمذي، 2302، هكذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن جيل الصحابة والصحابيات، الجيل الأول الذي زُرعت فيه عقيدة الإسلام، وقِيَمه، ومبادئه، ورافقوا ولازموا الرسول عليه السلام حتى استطاعوا نشر الإسلام في كافة المعمورة.
لعبت الصحابيات دور البطولة في جميع مراحل نشر الدعوة الإسلامية، بدءاً من تلقّي الأوامر والأسس عن الرسول عليه السلام، وتطبيق ونشر هذا الدين، والحفاظ عليه، والدفاع عنه، والتصديق لصاحب هذه الرسالة العظيمة. لم يقتصر دورهنّ على ذلك، بل شاركن في الغزوات جنباً إلى جنب مع الرسول في مواقف مضيئة يشهد لهنّ التاريخ بذلك، حتى ظهرت أول ممرضة في التاريخ إلى جانب الرسول عليه السلام في إحدى الغزوات. ولا ننسى فضل باقي الصحابيات اللواتي قدّمن لنا احسن وأفضل مُثُلٍ عُليا نهتدي بنهجهنّ، وليكنَّ نبراساً لنا في هذا الطريق. سوف نتطرق ووسائل في هذا المقال إلى خمس صحابيات جليلات كان لهنّ بصمةً واضحة، ونموذجاً مُضيئاً في التضحية والثبات.
خمس صحابيات وصفاتهم
من أهم الصحابيات اللواتي لمعت أسماؤهنّ في تاريخنا، نذكر منهنّ:
سمية بنت الخياط
وهي أول شهيدة في الإسلام، هذه الصحابية الجليلية لم تكن ذات حسبٍ، ولا نسبٍ، ولا جمال، بل كانت عبدة ضعيفة ساقَهَا الذُّل قبل انتشار الإسلام لمكة حتى تتخلّص هي وعائلتها من الأستعباد. إنّها سمية زوجة ياسر بن عمار، ووالدة عمّار بن ياسر الذي اعتنق الإسلام مُتخفّياً في دار الرقم، ثم عاد مسروراً إلى أمّه يُبشّرها بذلك الدين العدل، ويتلو عليها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات،13 ، فقرّرت فوراً اعتناق الدين الذي سوف يُحرّرها من الذّل، وينشر الكرامة والعدالة. (2)
كانت من أول ستة اعتنقوا الإسلام في مكة بعد الرسول عليه السلام، هي وابنها عمّار، حيث بايعت الرسول عليه السلام فور سماعها بالدين، فقد ذاقت هي وعائلتها أقصى أنواع العذاب حتى تغضّ النّظر عن الإسلام ولكنّها لم تضعف يوماً، كان يمرّ عليه السلام وهم يُعذّبون ويقول لهم: (صبراً آل ياسر، صبراً آل ياسر فإنّ موعدكم الجنة). بقيت سميّة ثابتة على موقفها حتى تحت وطأة أشد العذاب، وروي إنّه مرّة واحدة فقط انهالت دموعها، وظنّ جلّادها أنها تبكي ألماً وقهراً، لكنّها كانت تبكي على ابنها عمّار الذي كان يُعذّب أمامها، وكانت تُردّد له: (إيّاك والكفر يا عمار) حتى استُشهدت -رضي الله عنها- على يد أبو جهل عندما سمعها تردد (أَحَد، أحد ،الله أكبر)، ورفضت الكفر، فطعنها في قلبها، وكانت بذلك أول من استشهد من النساء في الإسلام، ثم لحقت بها عائلتها. كانت سميّة آنذاك امرأة عجوز، فقيرة، وضعيفة. (1)
خديجة بنت خويلد
هي الزوجة الأولى للنبي -عليه السلام-، وهي أم المؤمنين، فهي أول من اعتنق الإسلام بإجماع علماء المسلمين. كانت السيدة خديجة من أعرق بيوت قريش نسباً، وحَسَباً، وشرفاً. نشأت على التخلّق بالأخلاق الحميدة، وتميّزت بقوة العقل، والحزم، والحكمة، والعفة، والطهارة. كانت السيدة خديجة ذات مال وتجارة رابحة، حيث كانت تستأجر الرّجال وترسلهم إلى بلاد الشام يتولّون مالها، حتى وصل إلى مسامعها ذِكر (محمد بن عبدالله) كريم الأخلاق، الصادق الأمين، فعرضت عليه تجارتها في الشام، وأعطته احسن وأفضل مما أُعطي التّجار، فكان يعود لها بالأرباح أضعاف التجّارالسابقين.
تزوجت السيدة خديجة بالرّسول عليه السلام في سن الأربعين بينما كان هو في الخامسة والعشرين من عمره، ويُعدّ زواجه من خديجة أطول فترة زواج أمضاها الرسول عليه السلام مع زوجاته، ولم يتزوج بأُخرى طيلة زواجهما بالرغم من أنها كانت أكبر عمراً منه، إلا أنّها استطاعت أن تكون أقرب زوجاته إليه، و كانت تُثير غيرة زوجاته الأخريات حتى بعد وفاتها. أنجبت القاسم، وعبدالله، وزينب، ورقيّة، وأم كلثوم، وفاطمة.
كانت السيدة خديجة أول من آزرت ونصرت الرسول عليه السلام حين نزل عليه الوحي، فقد تمكّنت من خلال قوة عقلها وحكمتها أن تعرف أن هذا وحي وليس بأوهام حين أتاها الرسول عليه السلام من غار حراء وهو يرجف ويقول: (زملوني زملوني )، فقالت له: (فوالله لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرّحم، وتَصدُق الحديث، وتَحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)، وكأن الله اختصّها مع الرسول عليه السلام لتكون رفيقة دربه في بداية نشر الدعوة الأسلامية.
انطلقت خديجة رضي الله عنها بالرسول عليه السلام حتى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها وكان شيخاً كبيراً قد عُمِيَ وكان يكتب العربية، فأخبره النبي عليه السلام خبر ما رأى، فأعلمه ورقة أن هذا هو الناموس الذي أُنزل على موسى عليه السلام، وبهذا كانت السيدة خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدّقته، ولهذا لُقّبت بنصير رسول الله، فقد تركت حياة الراحة والأستقرار وخرجت مع الرسول عليه السلام في عام المقاطعة إلى شعاب مكة مدّة ثلاث سنوات تتحمّل معه أعباء الرّسالة بالرغم من كِبَر سنّها صابرة مجاهدة.
لُقّبت السيدة خديجة بخير نساء الجنة، كيف لا وهي السيدة التي رافقت ونصرت الرسول عليه السلام في أحلك أوقاته، فها هو الرسول يُعلن في أكثر من مناسبة بأنّها خير نساء الجنة، فقد رُوِيَ عن أنس بن مالك أن النّبي عليه السلام قال: (حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون) الألباني، 6141. ليس هذا فحسب، بل يُقرِئُها المولى السلام من فوق سبع سموات، ويُبشّرها ببيت من قصب في الجنة.
لقد أوفى الرسول عليه السلام للسيدة خديجة بعد وفاتها، وكان حبّه لها ظاهراً للعيان، وغرّة على جبين التاريخ الإسلامي، ونموذجاً للعلاقات الأُسريّة الخاصة، حتى بعد وفاتها كان يُكثر من ذكرها، ويتصدّق عنها، ويصل صديقاتها.
توفّيت السيدة خديجة رضي الله عنها عن عمر ينازه الخامسة والستين، قبل الهجرة بثلاث سنوات، وأنزلها الرسول عليه السلام بنفسه إلى قبرها، وأغشي عليه بعدها كثيراً، ومكث فترة طويلة بعدها بلا زواج، وسُمّي العام الذي توفّيت فيه بعام الحزن. (3)
أم ورقة
المرأة الشهيدة، ابنة عبد الله بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصاري، كُنيتها أم ورقة بنت عبد الله، ويقال لها أيضاً بأم نوفل. كانت من النساء العظيمات اللواتي دافعن عن الإسلام بكل ما أوتين من قوة، وكان -عليه السلام- يناديها وهي بالشهيدة؛ فقد كان يقول لأصحابه: (قوموا بنا نزور الشهيدة)، فلما غزا بدراً قالت له: (ائذن لي أن أخرج معكم، أداوي جراحكم، وأُمرّض مرضاكم، فلعل الله يهدي بي إلى الشهادة)، فقال لها النبي -صلي الله عليه وسلم-: (إنّ الله يهديك الشهادة، وقرّي في بيتك فإنّك شهيدة). كانت ممن جمعوا القرآن، وطلبت من الرسول عليه السلام أن يُحضر لها مؤذّناً يؤذّن في دارها، فقد كان بيتها منبع للإسلام. قُتلت على يد جارية وخادم لها حين غمّوها وقتلوها، وقد افتقدها عمر بن الخطاب، حيث افقتد قراءتها للقرآن، حتى إذا جاء بيتها وجدها ميتة، وأمسك بالجارية والخادم واعترفا بقتلها. (4)، (5)
أسماء بنت أبي بكر
ذات النطاقين، هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، وزوجة الزّبير بن العوام، ووالدة الصحابي عبدالله بن الزبير بن العوام. أسلمت في سن الرابعة عشر، وترعرعت على الأيمان والحقّ مُجسّدةً تربية والدها لها.
لقّبها الرّسول عليه السلام بذات النطاقين لأنّه حين كان أبو بكرالصديق يُحضّر نفسه للهجرة مع الرسول عليه السلام لم يجد حبلاً ليربط به الزّاد والسقا، فأخذت أسماء رضي الله عنها نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقّته نصفين وربطت به الزاد، وكان النبي عليه السلام يرى ذلك كله، فسمّاها أسمـاء ذات النطــاقين، وقال لها: (أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة). تمنّت أسماء الهجرة معهما، وكانت تأخذ الزاد والماء للنبي عليه السلام ووالدها أبي بكر الصديق، غير آبهة باللّيل، والجبال، والأماكن الموحشة؛ وذلك لأنها كانت تعلم أنها في رعاية الله.
حين هاجرت أسماء بنت أبي بكر من مكة الى المدينة في طريق الهجرة العظيم كانت آنذاك حاملاً بجنينها عبدالله بن الزبير بن العوام، وحين شارفت المدينة وضعت مولودها مع موطئ المهاجرين من الصحابة، فأخذه الرّسول وقبّله، وهلّل به المسلمون، وطافوا به أنحاء المدينة.
من مواقفها الجليلة أيضاً حين هاجر والدها مع الرسول عليه السلام لم يترك لهم مالاً، ولما علم والده أبو قحافة برحيله -وكان ما يزال مشركاً- جاء إلى بيته وقال لأسماء: (والله إني لأراه قد فجعكم بماله بعد أن فجعكم بنفسه)، فقالت له: (كلا يا أبتِ، إنه قد ترك لنا مالاً كثيراً) ثم أخذت حصى ووضعته في الكوة التي كانوا يضعون فيها المال وألقت عليه بثوب، ثم أخذت بيد جدها -وكان مكفوف البصر- وقالت: (يا أبتِ، انظر كم ترك لنا من المال)، فوضع يده عليه وقال: (لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا كلّه فقد أحسن)، كانت تقصد من ذلك ألّا تُحزِن شيخ كبير، ولا تأخذ صدقة من مشرك.
كان لأسماء بنت أبي بكر مواقف عديدة منيرة في تربية أولادها، وقيل إنّها من أجود النساء، فكانت لا تدّخر شيء لغد. توفّيت في الثالثة والسبعين من عمرها. (3)
أم حرام
أم حرام بنت ملحان النجار الأنصارية الخزرجية، زوجة عبادة بن الصّامت الذي شُهِدَ له بالورع والفقه، وشقيقة الغميصاء أُمُّ سُلَيْمٍ بنت ملحان، إحدى النّساء الفاضلات المُبشّرات بالجنة اللاتي تركن أثراً مباركاً في عصر النبوة، وهي خالة الإمام أنس بن مالك، وشقيقة البطلين الشهيدين حرام وسليم اللذين شهدا بدراً وأُحُدَاُ، واستُشهدا في يوم بئر معونة.
عُرفت أم حرام بحبّها للشجاعة والجهاد، وكانت قد طلبت من الرسول عليه السلام أن يدعو لها بأن تموت شهيدة، وحين حلم الرسول عليه السلام أن جماعة من أمّته عُرضوا عليه في منامه أنهم شهداء البحر، وقد حَصَلت على ذلك حين خرجت مع زوجها عبادة غازية في البحر، فلما وصلوا إلى جزيرة قبرص خرجت من البحر، فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت، ودُفنت في قبرص، وسُميّت شهيدة البحر. اشتُهرت بالعلم، والفقه، ورجاحة العقل. ويقال إنّ الرسول عليه السلام كان يُحبّ أن يكرمها أحياناً فيذهب ويُصلّي في بيتها.(5)
المراجع
(1) بتصرّف عن مقالة سميّة بنت خياط رضي الله عنها، alserdaab.org
(2) بتصرف عن مقالة سمية بنت خياط رضي الله عنها، islamway.net
(3) بتصرف عن مقالة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، islamstory.com
(4) بتصرف عن مقالة أم ورقة رضي الله عنها، islamweb.net
(5)بتصرف عن مقالة أم حرام رضي الله عنها، Daralfatwa.org