مَن منّا لا يعرف أو لم يسمع عن الخُلفاء الرّاشدين؟ أصحابُ رسولِ الله الكِبار، المُبشَّرون بالجنَّة، الذين تولَّوا أمور المسلمين، فَحَكموا وعَدلوا، ونَشروا الإسلام، وأوصلوه إلى فارس والرّوم، وكانوا أنجُماً يَهتدي بها كُلُّ مُسلمٍ، ومثالاً للأمانة والقُوَّة والإخلاص بالعمل والعدل.
تمتدُّ الخِلافَةُ الرّاشدةُ من وفاةِ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم –، في السّنة الحادية عشرة للهجرة، وأختيار أبو بكر الصِّدِّيق كخليفةٍ لرسول الله على المُسلمين، إلى يوم إستشهاد الخليفة والإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -، سنة 40 للهجرة. والخلفاءُ الرّاشدين أربعة، أبو بكر الصَّدِّيق، وعُمر بن الخطّاب، وعُثمان بن عفّان، وعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهم أجمعين.
بعد وفاة رسول الله سنة 11 للهجرة، أجمع المسلمون على أبو بكر الصِّدِّيق، صاحبُ رسول الله، وأبو عائشةَ زوجِ رسول الله، كخليفةٍ للمسلمين، وبايعوه في سَقِيفة بَنِي ساعِدة. قام أبو بكر الصِّدِّيق بمُحاربة المرتدّين عن الإسلام. فبعد وفاة الرسول – صلّى الله عليه وسلّم، إرتدّت عددٌ من القبائل عن الإسلام، وأمتنعوا عن دَفعِ الزّكاة، كما إدّعى عددٌ من النّاس النُّبوّة، فأمر أبو بكر بقتالهم حتّى يَرجِعوا ويدفعوا الزّكاة المفرُوضَة. وأمرَ أبو بكر بإنفاذ جيش أُسامة بن زيدٍ، الذي أمرَ الرّسول به قبل وفاته، وأمر أبو بكر بجمع القُرآن الكريم في مُصحفٍ واحدٍ؛ بسبب إستشهاد الكثير من حفظة القرآن في حُروب الرِّدة، كما وصلت جيوشُ الفتح في عهده إلى الشّام والعراق، وتُوفي أبو بكر الصديق سنة 13 للهجرة، وقد إستمرّت خلافتهُ عامين.
بُويِعَ الخليفةُ الرّاشد الثّاني الفاروق عُمر بنُ الخطّاب بعد وفاة أبو بكر الصِّدِّيق، وكان ذلك سنة 13 للهجرة، وكان يتَّصِفُ بالقُّوّة والعَدل، وأصبحت الدّولة الإسلاميّة في عهده في أوج توسُّعها وقوتها، فأكتملت في عهده فُتوحات العِراق والشّام ومِصر وأرمينيّة. وأنشأ الدواوين، ومنها ديوانُ المظالم، وديوانُ الجُند، وأقام العدل وقَوِيَت الدولة الإسلاميّة. إستمرّت خِلافةُ عُمر بن الخطّاب عشر سنواتٍ، توسَّعت فيها الدولة الإسلامية توسُّعاً ليس له نظير، وأصبحت دولةً يُحسب لها حسابٌ بين إمبراطوريّات ذلك الوقت. وقد اُستشهد عُمر سنة 23 للهجرة بخنجرٍ مسمومٍ وهو يُصلّي الفجر على يد أبو لُؤلؤة المجوسيّ.
بعد إستشهاد عُمر،بايعَ المسلمون عُثمان بن عفّان خليفةً للمسلمين، وكان ذلك سنة 23 للهجرة. وفي عهد عُثمان، أُستكمِلَت الفُتوحاتُ الإسلاميّة، فأمتدّت إلى باقي بلاد فارس، وفُتحت جزيرة قُبرص. وبُني أول أسطولٍ بحريٍّ للدّولة الإسلاميّة، وأمر عُثمان بن عفّان بنسخ القرآن، بما يعرف بالمُصحف العُثمانيِّ، وأُرسلت نسخٌ إلى الأمصار بالدّولة الإسلاميّة، وأنتهى عهدُ خِلافته، بإستشهاده رَضِيَ الله عنه في الفِتنة التي حدثت بين المُسلمين، وقد قُتِلَ وهو يقرأ القرآن في بيته سنة 35 للهجرة، وتكونُ خِلافته قد استمرّت 12 سنة.
بايعَ المسلمون الإمام عليّ بن أبي طالبٍ كرّم الله وَجهَهُ، بعد إستشهاد عُثمان بن عفّان، وعليٌّ هو ابن عمِّ رسول الله، وزوجُ فاطمة بنتُ رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-. عَمِلَ عليّ على عَزلِ الوُلاة السّابقين، وتعيينِ ولاةٍ جُدُد في الدّولة الإسلاميّة، ولكنّ فترة خِلافتِه، تميّزت بظُهور الفتن، كموقعة الجمل ومعركة صِفّين، وقد أستشهد الإمامُ عليّ سنة 40 للهجرة، على يد عبد الرحمن بن مُلجِم الخارجيّ، وبإستشهاده إنتهى عَصرُ الخِلافة الرّاشدة التي إمتدت قُرابة 30 سنةً.