الإحسان في أبسط صورة هو كما تعلّمناه في مراحل الدّراسة المبكّرة؛ هو أن تعبد الله كأنّك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنّه يراك. وفي اللّغة هو فِعلُ ما حسن، وليس بينهما فرقٌ أبداً، فالإحسان في الدّين هو فعل الفضائل والعبادات باحسن وأفضل وأحسن صورها، وكأنّك ترى الله أمامك فيما تفعل. ولكنّك لا ترى الله عزَّ وجل، فتفعل الأمر وأنتَ لا تراه؛ باحسن وأفضل وأحسن صورة لعلمك بأنّه يراك. والإحسان يتعلّق بكل مناحي حياتنا، فهناك إحسان في العبادة، وإحسانٌ في المعاملة، وإحسانٌ في العلاقات الاجتماعية وإحسانٌ في العمل. الإحسان في العبادة يكون يعملها كما أمر الله سبحانه وتعالى واكتمال شروطها وأركانها مع عمل كل سننها وآدابها، بالضبط كأنه يرى الله يراقب عبادته له.
أمّا الإحسان في المعاملة؛ فيكون بحسن المعاملة والتّعامل بصدقٍ وأمانة وحسن نيّة مع الطّرف الآخر والأخلاق الحسنة. والأخلاق الحسنة هي المعيار الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ خياركم أحاسنكم أخلاقاً)، البسمة في وجه أخيك من حسن الأخلاق، وكذلك إماطة الأذى عن الطريق، السماحة في البيع والشراء كذلك من حسن الخلق، وهي كلها تصبُّ في الإحسان.
ويكون الإحسان في العمل بإتمام الواجبات والمهام الموكَلَة إليك على أكمل وجه، بل وتزيد عليها إن كان بالإمكان. فتقوم بعملك بكل جِدٍّ وإخلاصٍ وتفانٍ وإتقان، وتبتعد عن كل ما يضرُّ العمل من غشٍّ وتزوير، وتقتنص الفرصة لترفع من جودة العمل؛ مع أنّه ليس مطلوباً منك ذلك، ولكنك تفعله ابتغاء الإحسان في عملك، ولأنك تعلم أن العمل عبادة ولابُدَّ من الإحسان فيها.
الإحسان في العلاقات الإجتماعية يكون بحسن المعاملة والمعاشرة. هناك إحسان الزّوج مع زوجته، فلا ينهرها ولا يؤذيها ويحسن معاشرتها ويُلبِّي احتياجاتها، يعاملها معاملة الملكات، ولا يضرّها ويُحكِّم أهلاه ان اختلفا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عوان). والإحسان للوالدين من الإحسان في العلاقات الإجتماعية، ببرِّهما وطاعتهما والقيام على خدمتهما أو أحدهما، فلا يعصي لهم أمراً ولا يرفع فيهم صوته، قال الله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً). لو كانت تكفي في كل المعاملات الأوضاع العاديّة الطبيعية، فعند الوالدين لا تكفي، ففي هذه الحالة بالذات لابُدَّ من الإحسان حتى تكتمل أركان هذا الأمر، وذلك لِما للوالدين من عظيم فضل عن الله سبحانه وتعالى. ولا بد من أن يطغى الإحسان في العلاقات الإجتماعيّة على علاقة الأخ بأشقائه وشقيقاته، يصل رحمه ويرحمهم ولا يتركهم، ولا ننسى أنّ الصّدقة على ذي القربى؛ هي صدقة وصلة رحم أيضاً، والأقربون أولى بالمعروف، والعديد من أمثلة القربى يكون التعامل معهم بالإحسان.
الإحسان لا يرتبط بالصّدقة على الفقراء، بل يكون في جميع مناحي الحياة، عندما يعمل الإنسان عمل خير يبتغي في مرضاة الله عزَّ وجل؛ فهذا إحسان، إخفاء الصّدقة إحسان، إصلاح ذات البَيْنِ إحسان، تبسمك في وجه أخيك المسلم وحُسن كلامك معه إحسان، مساعد المحتاجين وحل مشاكل وعيوب الجوار إحسان. الإحسان ليس فقط صلاة وصيام وزكاة وحج، ليس صدقة على محتاج، ليس زيارة خاطفة لوالديك كل بضعة شهور، الإحسان شامل لكل أمور حياتنا، ولو أحسنَّا في حياتنا؛ لما بات في أمة محمد جائع.