يعتبر الحجّ من أركان الإسلام الخمسة ، فيه يجتمع الملايين من شتّى أنحاء المعمورة على ذكر الله والعبادة وأداء مناسك معيّنةٍ ، وفي الحجّ يتساوى النّاس جميعاً فلا فرق بين غنيٍ وفقيرٍ فالكلّ سواسية في صعيدٍ واحدٍ وبلباسٍ واحدٍ ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى الحجّ فريضةً على كلّ من استطاع إليه سبيلا ، فمن توفر له المال ووسيلة الرّكوب وجب عليه أداء هذه الشّعيرة والمنسك العظيم ، وقد جعل الله ثواب من حجّ البيت أو اعتمر فإنّه يرجع من بيته كيوم ولدته أمّه ، وفي هذا الرّكن العظيم يوم عرفة وهو أهمّ ما في الحجّ حتّى قال عنه النّبي صلّى الله عليه وسلّم الحجّ عرفة ، وفيه تغفر الذّنوب وتعتق الرّقاب ويباهي الله الملائكة بعباده الواقفين في جبل عرفات .
و اختلف العلماء والمؤرّخون في سبب تسمية يوم عرفة بهذا الاسم ، فمنهم من قال أنّها تعود إلى يوم نزل آدم وحواء إلى الأرض من الجنّة ، فنزلا في مكانين مختلفين ومن ثمّ التقيا في مكانٍ سمّي بعرفة ، وقيل أنّ سبب التّسمية بسبب تعارف الخلق واجتماعهم في هذا اليوم على أداء مناسك معينّة ، وهناك رأيٌ أخير يقول أنّ جبريل طاف بإبراهيم ليريه المشاهد ويقول له أعرفت أعرفت فيقول عرفت عرفت ، وبغض النّظر عن التّسمية فهو يومٌ مباركٌ فضّله الله وميّزه فكان من خير الايام وأجلّها .
و يستحبّ صيام يوم عرفة لمن لم يكن حاجاً ، وصيامه يكفّر سنةً ماضيةً وسنةً حاضرةً كما يستحبّ صيام الايّام التي تسبقه وهي أيّام ذي الحجّة ، وقد ذكر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ ما من أيام العمل الصّالح أحبّ إلى الله من هذه الايام ، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ، قال لا ، إلّا رجلٌ خرج بماله وأهله فلم يرجع منها بشيءٍ .
و إنّ ما نشاهده الان حين يحين موعد الحجّ من اجتماع الملايين في صعيد عرفات ، ومن يراقبونهم من وراء الشّاشات لمشهدٌ يهزّ القلوب ويذكّرها بالعودة إلى ربّها ، فيضجّ المكان بالتّلبية والنّداء والتّكبير .