مقدمة
الجنّة هي دار الخلود التي أعدّها الله لعباده المؤمنين، هي سلعة الله الغالية، الجنّة هي المنزل التي يبلغها المؤمن برحمة الله، فلا أحد يدخل الجنّة بعمله أو كثرة طاعته، لأنّ الإنسان لو بذل كلّ عمره ساجداً لله ما وفّاه نعمه وألآئه التي أحاطه بها، فلا بُدّ أن يجتمع العمل مع حُسن الظنّ بالله لدخول الجنّة.
وفي الجنّة من النعيم المقيم ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطَرَ على قلبِ بشر، فلا يستطيع أحدٌ أن يتصوّرها أو يُدركها بخياله لأنَّ جميع ما مرَّ بهِ الإنسان من تجارب ومُشاهدات لا تُشكّل عنده صورةً عن ما ينتظره من النعيم إن كانَ من الصالحين، وذكر الجنّة للمؤمنين تزيد من عزيمتهم على الطاعة وشغفهم بالوصول إليها.
وقد ذُكِرت الجنّة في مواطن كثيرة من القرآن والسنّة كما ذُكِر أيضاً عن نعيمها كالقصور والثمار وغيره مما أعدّه الله لعباده فيها، وفي هذا الموضوع سنتحدّث عن كنز الجنّة الذي بشّر به النبيّ صلى الله عليه وسلم وهوَ قولٌ ورَد في الحديث الصحيح عنهُ صلّى الله عليهِ وسلّم، فما هوَ كنزُ الجنّة وما هوَ هذا الحديث الذي ذُكِرَ فيه هذا الكنز.
كنز الجنّة
في الحديث النبويّ الشريف الذي رواه أبو موسى رضيَ الله عنهُ أنَّ رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم قال له: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: ((لا حول ولا قوة إلا بالله)).
فقولك لا حول ولا قوّة إلا بالله هو كنزٌ من كنوزالجنّة وهوَ الخير العظيم الذي أنعم الله بهِ على عبادهِ المؤمنين الذين يلزمون هذا القول، ولكن كيف تصبح وتكون هذهِ العبارة من كنوز الجنّة، تفسيرذلك يكون أنَّ معنى الكنز هوَ ما تدّخرهُ أو تكنزهُ لك في وقتٍ أنت بحاجةِ إليه، فبقولك لا حول ولا قوّة إلا بالله تكون قد أبقيت لكَ كنزاً في جنّةٍ عرضها السماوات والأرض.
وقد فسَّرَ هذا المعنى الذي ذكرناهُ آنفاً الإمام السندي حيثُ قال: قولُهُ (كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ) جُعِلَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ قَائِلَهَا يَمْلِكُهَا بِسَبَبِهَا، وَفِي النِّهَايَةِ، أَيْ: أَجْرُهَا مُدَّخَرٌ لِقَائِلِهَا وَالْمُتَّصِفُ بِهَا كَمَا يُدَّخَرُ الْكَنْزُ.
ومن سِمات الحديث النبويّ الشريف أنَهُ يحوي جوامع الكلِم، فقد تحتمل الكلمة الواحدة أكثر من معنى غيرَ أن لا تضارب بين بعضها ولا تضادّ وإنّما يقوّي كلّ معنىً منها المعنى الآخر وهذا قد يكونُ باباً من أبواب اتّساع معنى الكنز في الحديث النبويّ الشريف.